للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحذروا سلاطينهم من فتنته ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ عنه، فطفق الملوك يقصونه عن قربهم ويسيرونه عن بلادهم إلى أن انتهوا به إلى منقطع أثره بتربه بلده من بادية لبلة.. وهو في ذلك غير مرتدع ولا راجع إلى ما أرادوا به، يبث علمه فيمن ينتابه بباديته تلك من عامة المقتبسين منه من أصاغر الطلبة الذين لا يخشون فيه الملامة يحدثهم وفقهم ويدارسهم ولا يدع المثابرة على العلم والمواظبة على التأليف " (١) .

انهزم ابن حزم - إذن - أمام المذهب المالكي لان السياسة في المغرب وقفت تسند ذلك المذهب، وما حرق كتبه إلا شاهد قوي على ذلك، وبعد وفاة ابن حزم بسنوات وقعت الأندلس في قبضة المرابطين فبلغ انتصار المذهب المالكي أقصاه؛ لان أمير المرابطين لم يكن يحظى عنده إلا من علم علم الفروع - أي فروع مذهب مالك - فنفقت في ذلك الزمان كتب المذهب وعمل بمقتضاها ونبذ ما سواها وكثر حتى نسي النظر في كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم - هكذا قال المراكشي (٢) ؛ وهذا هو عين ما كان ينعاه ابن حزم على فقهاء بلده ويلح من اجله على دعوتهم إلى الكتاب والسنة وهجر التقليد للأئمة.

٢ - هذه الرسالة:

تحوي رسالة الفقهاء المالكية إلى ابن حزم نقاطاً ومسائل كثيرة، وليس من همي ان أسرد كل ذلك ولكني اختار أهم الاتهامات التي وجهوها إلى ابن حزم نفسه. ولا يخطئ الناظر في هذه الرسالة أن يرى تلك الناحية التي عانى ابن حزم شيئاً كثيراً من أجلها، اعني علاقته بعلم المنطق، فهو عند هؤلاء الفقهاء متهم بأنه يرد بالمنطقي على الشرعي وله عناية بحد المنطق، والشق الأول من التهمة باطل لان ابن حزم اتخذ المنطق أساساً في الأحكام الشرعية ليثبت به تلك الأحكام لا ليردها، وأما الشق الثاني فيشير إلى كتاب التقريب " وما فيه من التعمق والعرض وترتيب الهيئات " (٣) وقد كان رد ابن حزم على هذا واحداً حيثما هاجمه به أعداؤه وهو: هل عرف هؤلاء الناس حد المنطق أو لم يعرفوه فإن عرفوه فليبينوا ما فيه من المنكرات، وإن لم يعرفوه فكيف يستحلون ان يذموا ما لم يعرفوه


(١) الذخيرة ١/ ١: ١٦٨.
(٢) المعجب: ١١١.
(٣) انظر الفقرة: ١١ من الرسالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>