للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خصومه، وإنما يأخذ كل ما يأخذه عن القرآن والسنة، وإذا كان لا يحتج برأي واحد دون الرسول ولا يقلده فليس معنى ذلك انه يعيبه ويزري عليه. إنما يطعن على الصحابة من ترك جميع ما قالوه إلا ما كان موافقاً لإمامه الذي يقلده. أما اتهامه بأنه يحث أصحابه على تقليده فإنها تدل على غفلة قائلها، إذ لا يصح لامرئ ينهى عن التقليد جملة وتفصيلاً، أن يفتح الباب على نفسه فيدعو الأصحاب لتقليده، فمثل ذلك تناقض لا يقع فيه شخص له أدنى حظ من الذكاء.

من الواضح أن توجيه هذه التهمة لابن حزم إنما كان يمليه التناحر المذهبي، ومحاولة الغض من الخصم بكل وسيلة ممكنة، وتشويه موقفه لإسكاته، وعلى ذلك فإن هذه التهمة الباطلة ظلت تلصق بابن حزم، حتى لقد رددها بعض الباحثين في العصر الحديث، دون أن يفقه مدى الشنعة فيها. ولو قال قائل انه يستعمل عبارة فجة خشنة - كما قال الذهبي (١) - لكان أقرب إلى الواقع، ولكن شتان بين ذلك وبين الوقيعة والطعن.

(٢) وأما التهمة الثانية فهي ان تورط ابن حزم في إنكار الرأي والقياس والقول بالتقليد أو إن شئت فقل بلسان الخصوم: إن خروجه على مذهب مالك وغيره إنما كان بسبب تعويله على كتب الأوائل والدهرية وأصحاب المنطق وكتاب أقليدس والمجسطي وغيرهم من الملحدين.

وهذه التهمة أضعف من التي قبلها والرد عليها أسهل ولذلك واجهها ابن حزم بقوله: أخبرنا عن هذه الكتب من المنطق وأقليدس والمجسطي، أطالعتها أيها الهاذر أم لم تطالعها فإن كنت طالعتها فلم تنكر على من طالعها كما طالعتها أنت وهل أنكرت ذلك على نفسك، وأخبرنا ما الإلحاد الذي وجدت فيها وإن كنت لم تطالعها فكيف تنكر ما لا تعرف

والحقيقة التي تشف عنها هذه التهمة هي الجهل المطبق لدى ذلك الهاتف، فإن من يزج بكتاب أقليدس في مبادئ الهندسة مع كتب الملحدين والدهرية إنما يكشف عوار نفسه ومبلغ جهله.

ومسألة أخرى أهم من هذه جميعاً فاتت جميع الذين هاجموا ابن حزم وهي أن اطلاعه على هذه الكتب كان يجب أن يقوي لديه الميل إلى الأخذ بالرأي والقياس،


(١) تذكرة الحفاظ: ١١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>