للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرى أن ينظم بعد صلاة الصبح؛ وشعره حتى في الطوق زاخر بالمعاني، تكثر فيه المؤثرات الثقافية والإشارات إلى العلوم والعقائد والتعليلات ويكشف عن أثر الفقه الظاهري والمنحى الجدلي، ولا يفتأ يشقق المعاني ويولدها دون اهتمام كثير برونق الصياغة، وفي شعره في الطوق جانب دقيق قد نسميه " الجانب الباطني " كان يهرب إليه أحياناً من قسوة الظاهر وحدته، وينقل فيه معاني التنزيه والتوحيد، ويتأول الأشياء على غير ظاهرها حتى كان بعض أصدقائه يسمي قصيدة له " الإدراك المتوهم " وفيها يقول:

ترى كل ضد به قائماً ... فكيف تحد اختلاف المعاني

فيا أيها الجسم لا ذا الجهات ... ويا عرضاً ثابتاً غير فان

نقضت علينا وجوه الكلام ... فما هو مذ لحت بالمستبان وتجده وهو المتمسك بأشد ألوان التنزيه يقول:

أمن عالم الأملاك أنت أم انسي ... ابن لي فقد أزري بتمييزي العي

أرى هيئة إنسية غير أنه ... إذا أعمل التفكير فالجرم علوي

ولا شك عندي أنك الروح ساقه ... إلينا مثال في النفوس اتصالي

ولولا وقوع العين في الكون لم نقل ... سوى أنك العقل الرفيع الحقيقي ومن تأمل هذا اللون من الشعر في موضوع الحب خاصة وجد أن ابن حزم الظاهري المتشدد قد بلغ فيه مشارف التصوف " الباطني " - لكن عن طريق التأمل الفكري - وهو في هذا الجانب المستمد من الوهم متأثر بطريقة أبي إسحاق النظام، معجب بها.

وتكاد أكثر المواقف العاطفية أن تكون لديه " قضايا " تحاكم بمنطق العقل، وتتطلب استدلالاً: تصور نفسه انتظر زيارة المحبوب، فلما حل الظلام أدرك أنه لن يأتي، فما الدليل.

وعندي دليل ليس يكذب خبره ... بأمثاله في مشكل الأمر يستدل

لأنك لو رمت الزيارة لم يكن ... ظلام ودام النور فينا ولم يزل

<<  <  ج: ص:  >  >>