للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختص تصوير المحب بهذا القدر (وهو ٢/ ٥ القطعة في مجموعها) نجد أن الجواب على ذلك هو ميل ابن حزم إلى رسم " الشخصية " وهذا يتبين لنا إذا انتقلنا إلى تقرير آخر تحتل فيه " الشخصية " جميع الدورات التي مثلتها القطعة السابقة، وذلك هو التقرير عن حال المساعد من الإخوان الذي يشترط فيه أن يكون " صديقاً مخلصاً "، لطيف القول بسيط الطول، حسن المأخذ، دقيق المنفذ، متمكن البيان، مرهف اللسان، جليل الحلم، واسع العلم.. الخ " ففي عملية التكثيف يحشد الكاتب ما يزيد على خمسين جملة في الشروط التي يجب أن تتوفر فيه.

أما الحكاية فأنها لا تتطلب تكثيفاً لأنها قائمة على الحركة، بينا التقرير يقوم على بطء فكري، من ذلك: " كنت بين يدي أبي الفتح والدي رحمه الله، وقد أمرني بكتاب أكتبه، إذ لمحت عيني جارية كنت أكلف بها، فلم أملك نفسي ورميت الكتاب عن يدي وبادرت نحوها، وبهت أبي، وظن انه عرض لي عارض، ثم راجعني عقلي، فسمحت وجهي، ثم عدت، واعتذرت بأنه غلبني رعاف ". فأنت ترى أن الاسترسال هنا - على الطبيعة - هو الأغلب وكل جملة في القطعة تنقلنا نقلة جديدة إلى النهاية.

غير أن الحكاية نفسها قد تستدعي التكثيف لنفس السبب الذي ذكرناه في التقرير وهو تصوير الشخصية المحورية فيها: " وإني لأعرف من أهل قرطبة من أبناء الكتاب وجلة الخدمة من اسمه أحمد بن فتح: كنت أعهده كثير التصاون، من بغاة العلم وطلاب الأدب، يبذ أصحابه في الانقباض، ويفوقهم في السرعة، لا ينظر إلا في حلقة فضل الخ " ويمضي في هذا " التشخيص " المكثف وغايته من ذلك إبراز المفارقة القائمة بين حال التصاون التي كان عليها وحال التبذل التي صار إليها (وهذه الثانية أيضاً تقوم على ممائلة في التكثيف) ومن الخير أن نتنبه إلى أن هذه الحكاية ليست كالأولى لأنه ليس فيها إلا خبر عن فتى تغيرت حاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>