يوم القيامة، فإن وجد في فرائض صلاته نقص جبر من تطوع عن كان له، وكذلك في صيامه وزكاته وسائر أعماله، ورويناه من طريق تميم الداري عن رسول الله، ويبين صحة هذا قوله تعالى:{إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى}(آل عمران: ١٩٥) ، ولا يلتفت إلى قول من يصد عن سبيل الله:" لا صلاة لمن لا يتم الفرض "، فهذا قول لم يأت به نص ولا إجماع، وإنما هذا فيمن ضيع الفرض في آخر وقته أو حلول وقته الذي لا فسحة فيه واشتغل بالنفل [٢٣٩/أ] كإنسان لم يبق عليه من صلاة الفرض إلا مقدار ما يصليها فقط، فترك الفرض واشتغل بالتطوع، أو وجد الصلاة المنكوبة تقام أو تصلى فتركها وأقبل على ما ليس بفرض من الصلاة، كمثل ما يأمر به بعض الناس: من وجد الإمام في الركعة الأولى من صلاة الصبح أن [يركع] ركعتي الفجر، فهذا هو الخطأ، فهذا لا يقبل منه، لأنه لم يصل الصلاة التي أمر بها، ومن لم يفعل ما أمر به وفعل غير ما أمر به لم يقبل منه: قال عليه السلام (١) : " من عمل عملاً ليس عليه امرنا فهو رد " وكإنسان صام رمضان في الحضر تطوعاً لا بنية الفرض، فهذا لا يقبل منه. وأما من عليه من الفرض أو سلفت عليه فروض قد عطلها، فيستحب له التطوع ما أمكنه، كما روينا في الحديث المأثور آنفاً من جبر الفرض بالتطوع.
واعلموا - رحمنا الله وإياكم - أن الله عز وجل ابتدأنا بمواهب خمس جليلة، لا يهلك على الله بعدهن إلا هالك، وهي انه تعالى غفر الصغائر باجتناب الكبائر فلو أن امرءاً وافى عرصة القيامة بملء الأرض صغائر إلا أنه لم يأت كبيرة أو أتاها ثم تاب منها، لما طالبه الله بشيء منها، وقال تعالى:{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً}(النساء: ٣١) .
والثانية: من اكثر من الكبائر، ثم منحه الله التوبة النصوح على حقها وشروطها قبل موته، فقد سقط عنه جميعها، ولا يؤاخذه ربه تعالى بشيء منها، وهذا إجماع من الأمة.
والثالثة: أن من عمل من الكبائر ما شاء الله، ثم مات مصراً عليها، ثم استوت حسناته وسيئاته لم يفضل له سيئة، مغفور له، غير مؤاخذ بشيء مما يفعل، قال الله
(١) هو في البخاري (اعتصام: ٢٠؛ وبيوع: ٦٠؛ وصلح: ٥) ومسلم (أقضية: ١٧، ١٨) وابن ماجه (مقدمة: ٢) وانظر الجامع الصغير ٢: ١٧٦) .