للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبلها من طول المكث بين أطباق النيران، يتجرعون الزقوم ويشربون الغسلين، ولهم مقامع من حديد، والأغلال في أعناقهم، والملائكة يسحبونهم على وجوههم، وكلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب، لم يف بذلك سرور وإن جل، ونٍال الله أن يجرينا وإياكم من هذه المرتبة، آمين.

فلهؤلاء ذخرت الشفاعة وفي جملتهم يدخل من لم تكن له وسلية، ولا عمل خيراً قط غير اعتقاد الإسلام والنطق به، ولا استكف عن شر قط حاشا الكفر، على قدر ما يفضل من السيئات على الحسنات يكون العذاب، فأقله غمسة كما جاء في الحديث المذكور منه آنفاً، ولم يلج منه عضو في النار كما جاء في حديث جواز الصراط، وأكثره الذي ذكرنا أنه آخر أهل الإسلام خروجاً من النار في الحديث المذكور آنفاً.

وأما المرتبة العاشرة فهي مرتبة السحق، والبعد، والهلكة الأبدية، وهي مرتبة من مات كافراً، فهو مخلد في نار جهنم لا يخفف عنهم من عذابها، ولا يقضي عليهم فيموتوا، خالدين فيها أبدا، سواء صبروا أم جزعوا، ما لهم من محيص. اللهم عياذك، عياذك، عياذك من ذلك، وقد هان كل ما تقدم ذكره عند هذه: " وإنما نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي " (١) ، ثبتنا الله وإياكم على الإسلام والإيمان وابتاع محمد عليه السلام. فهذا جواب ما سألتم عنه من السيرة المختارة التي أحسد عليها صاحبها، وأتمنى أعاليها، قد لخصتها وفسرتها، ثم أعيدها لكم مختصرة، ليكون أقرب للذكر وأسهل للحفظ إن شاء الله تعالى فأقول، وبالله التوفيق: إن أجل سير المسلم ثلاثة: طلب العلم، ونشره، والحكم بالعدل لمن ولي شيئاً من أمور المسلمين والجهاد - كل هذا مع أداء الفرائض واجتناب المحارم. وبعد هذا المداومة على الوتر، وركعتي الفجر والضحى، وركعتين في الليل وقبل الوتر [٢٤٢ ب] في منزله، وركعتين متى دخل المسجد، فإن زاد فليصل الضحى ثماني ركعات، وليصل اثنتي عشرة (٢) ركعة في آخر الليل في منزله قبل الوتر أو في أي وقت أمكنه من الليل، ولا أحب له الزيادة في الضحى على ما ذكرت، لكن من أراد الزيادة فليطول القراءة والركوع والسجود ما شاء، فإني أخاف عليه ما خافه مالك بن أنس إذ سأله سائل عن رجل أحرم قبل


(١) نوكل بالأدنى إلخ: عجز بيت من الشعر لأبي خراش الهذلي وصدره: " على أنها تعفو الكلام وإنما " (انظر ديوان الهذليين ١: ١٥٨) .
(٢) ص: اثنا عشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>