للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قام بطلبها حتى يعم بعلمه تعليم من طلبها أو فتيا من استفتاه فيها من أهل بلده أو قريته، فإذا قام بذلك من يغنى بهذا القدر، سقط فرض طلبها حينئذ عن الباقين، إلا ما يخص كل إنسان في نفسه فقط، فالذي يلزم كل إنسان من حفظ القرآن فهو أم القرآن وشيء من القرآن معها، ولو سورة أي سورة كانت، أو أي آية، فهذا لابد لكل إنسان منه.

ثم طلب علم القرآن واختلاف القراء السبعة فيه وضبط قراءتهم [٢٤٣ ب] كلهم، فرض على الكفاية وفضل عظيم لمن طلبه إن كان في بلده كثير ممن يحكمه وأجر جزيل، قال عليه السلام (١) : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه "، فكفى بهذا فضلاً، وقد أمر عليه السلام بتعليم القرآن فمن تعلمه فهو خير، ولو ضاع هذا الباب لذهب القرآن وضاع، وحرام على المسلمين تضييعه، وذهابه من أشراط الساعة، وكذلك ذهاب العلم.

وأما النحو واللغة ففرض على الكفاية أيضاً كما قدمنا، لان الله يقول: {وما أرسلنا من سرول إلا بلسان قومه ليبين لهم} (إبراهيم: ٤) ، وأنزل القرآن على نبيه عليه السلام بلسان عربي مبين، فمن لم يعلم النحو واللغة، فلم يعلم اللسان الذي به بين الله لنا ديننا وخاطبنا [به] ومن لم يعلم ذلك فلم يعلم ذلك فلم يعلم دينه، ومن لم يعلم دينه ففرض عليه أن يتعلمه، وفرض عليه واجب تعلم النحو واللغة، ولابد منه على الكفاية كما قدمنا، ولو سقط علم النحو واللغة على نية إقامة الشريعة بذلك، وليفهم بهما كلام الله تعالى وكلام نبيه وليفهمه غيره، بهذا له أجر عظيم ومرتبة عالية لا يجب التقصير عنها لأحد. وأما من وسم اسمه باسم العلم والفقه وهو جاهل للنحو والغة فحرام عليه أن يفتي في دين الله بكلمة، وحرام على المسلمين أن يستفتوه، لأنه لا علم له باللسان الذي خاطبنا الله تعالى به. وإذا لم يعلمه فحرام عليه أن يفتي بما لا يعلم؛ قال الله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} (الإسراء: ٣٦) ، وقال تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} (الأعراف: ٣٣) ، وقال تعالى: {وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم} (النور: ١٥) . فمن لم يعلم


(١) ورد هذا الحديث في صحيح البخاري (فضائل القرآن: ٢١) والترمذي (ثواب القرآن: ١٥) وابن ماجه (مقدمة: ١٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>