للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لصديقه ومراسلاً له، وراثياً من مات من إخوانه بما ليس باطلاً، ومادحاً لمن استحق الحمد بالحق، فليس بآثم ولا يكره ذلك، وأما من قال هاجياً لمسلم، ومادحاً بالكذب، ومشبباً بحرم المسلمين، فهو فاسق، وقد بين الله هذا كله بقوله {والشعراء يتبعهم الغاوون} (الشعراء: ٢٢٤) .

والذي يجب على طالب العلم أن لا يقتصر على أقل منه من النحو، فمعرفة (١) ما يمر من القرآن والسنة من الإعراب، ويكفي من ذلك كتاب الواضح أو كتاب الزجاجي (٢) ، فإن قال وأوغل حتى يحكم كتاب سيبويه وما جرى مجراه فقد أحسن، وذلك زيادة في فضله وأجره. وأما من اللغة فمثل ذلك أيضاً، ويجزئ عنه منه [٢٤٤ ب] الغريب المصنف لأبي عبيد (٣) ، فإن زاد وأوغل واستكثر من دواوين اللغة فقد أحسن وأجر. ويجب رواية شعر حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، وما خف من مختار أشعار الجاهلين ومختار أشعار المسلمين، غير مستكثر من ذلك، ولكن بقدر ما يتدرب في فهم معاني لغة العرب ومخارج كلامهم.

وعلم الحساب والطب أيضاً من العلوم الرفيعة، فمن طلب علماً من ذلك لينتفع به الناس في القسمة والعلاج وحساب مقابلتهم فهو مأجور. وتعلم هذا المقدار فرض على الكفاية، إذ لو جهل هذا لضاع كثير من الدين، كحساب الوصايا والمواريث ومعرفة البيوع وغير ذلك. ومن طلبهما ليكتسب منهما فمأجور أيضاً، ومن طلبهما ليتوصل بهما إلى الظلم فآثم فاسق.

وأما معرفة قراءة الحديث ففرض على الكفاية بقوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} (التوبة: ١٢٢) . ولا سبيل إلى التفقه في الدين إلا بمعرفة أحكام القرآن، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، صحيحه من سقيمه، وناسخه من منسوخه، وما أجمع عليه مما اختلف فيه، فهذا أفضل ما استعمل المرء فيه نفسه، وأعظم ما يحاول لأجره وأمحاه لذنوبه. وقد قسم النبي هذا الباب أقساماً


(١) ص: بمعرفة.
(٢) الواضح في النحو لأبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي الأندلسي. وأما كتاب الزجاجي فهو " الجمل ".
(٣) يعني القاسم بن سلام وكتابه جليل القدر صرف في تأليفه وجمعه أربعين سنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>