للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعمل بعلمي ولا تنظر إلى عملي ... ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري (١) وذكرت هذه المسألة يوماً بحضرة الحسن البصري رضي الله عنه فقال (٢) : ود إبليس لو ظفر منا بهذه، فلا يأمر أحد بمعروف ولا [ينهى] عن منكر. وصدق الحسن، لأنه لو لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر إلا من لا يذنب، لما (٣) أمر به أحد من خلق الله تعالى بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فكل منهم قد أذنب وفي هذا هدم للإسلام جملة. فقد صح عن النبي عليه السلام أنه قال: " ما من أحد إلا وقد ألم، إلا ما كان من يحيى بن زكريا " أو كلام هذا معناه.

فخذوا حذركم من إبليس وأتباعه في هذا الباب، ولا تدعوا الأمر بالمعروف وإن قصرتم في بعضه، ولا تدعوا النهي عن منكر وإن [كنتم] تواقعون بعضه، وعلموا الخير وإن كنتم لا تأتونه كله، واعترفوا بينكم وبين ربكم بما تعلمونه بخلاف ما تعلمونه، واستغفروا الله تعالى منه دون أن تعلنوا بذكر فاحشة وقعت منكم، فإن الإعلان بذلك من الكبائر؛ صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. فلعل أحدنا يستحي من ربه تعالى إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وهو يعلم من نفسه خلاف ما يقول يكون ذلك سبب إقلاعه ومقته لنفسه، ولعل الاعتراف الله تعالى والاستغفار المردد له يوازي ما يقصر فيه، فيحط عنا تعالى ربنا ذو الجلال، وقد قال تعالى: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله} (النساء: ١٠٨) . وقد امرنا الله تعالى على لسان نبيه بالاستخفاء بالمعاصي إذا وقعت، ونهينا عن الإعلان بها أشد النهي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً معناه (٤) : " كل الناس معافى إلا المجاهر، والإجهار أو من الإجهار، الشك مني، أن يبيت المرء يعمل عملاً فيستره الله عليه، ثم يصبح فيفضح نفسه، أو كما قال عليه السلام. فإنما أنكر فعل المعصية نفسها ثم وصف عز وجل [أنهم] مع ذلك يستخفون من الناس وأنه معهم، فلا يمكنهم الاستخفاء منه بل هو عالم بذلك كله. وإذا رأيتم من يعتقد انه لا ذنب له فاعلموا أنه قد هلك؛ وإن العجب (٥) من اعظم الذنوب وأمحقها للأعمال. فتحفظوا حفظنا الله وإياكم من العجب والرياء، فمن امتحن


(١) اعمل بعلمي البيت في عيون الأخبار ٢: ١٢٥ ونور القبس: ٦١ وطبقات الزبيدي: ٤٣.
(٢) انظر الجزء الأول من رسائل ابن حزم: ٤١٤.
(٣) ص: لمن لا.
(٤) انظر البخاري (أدب: ٦٠) ومسلم (زهد: ٥٢) نصه في البخاري: كل أمتي معافى إلا المجاهرون؛ وفي مسلم: كل أمتي معافاة إلا المجاهرين وان من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملاً الخ.
(٥) قارن هذا بما جاء عن العجب في رسالة مداواة النفوس، في الجزء الأول: ٣٨٦ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>