ليست مما سألتم عنه باسمه، لكن نسق الكلام اقتضى إثباتها، لأنها دخلت فيما سألتم مما يحط الكبائر، فاعلموا أن التوبة تكون على أربعة أضرب:
أحدها: ما بين المرء وبين ربه تعالى من أعمال سوء عملها كالكبائر من الزنا وشرب الخمر وفعل قوم لوط والشرك وما أشبه ذلك، فالتوبة من هذا تكون بالإقلاع والندم والاستغفار وترك المعاودة بفعله وإضمار ان لا يعود بنيته. فإن فعل التائب من هذه الوجوه هذا الفعل سقط عنه بإجماع الأمة كل ما فعل من ذلك بينه وبين ربه تعالى، وأيضاً فيمن أقيم عليه الحد مما ذكرنا ومات مسلماً كان ذلك كفارة لما فعل بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
والضرب الثاني: من عطل فرائض الله عمداً حتى فات وقتها، فقد اختلف الناس، فقوم قالوا: يقضيها، وقوم قالوا: لا سبيل إلى قضائها، وبهذا نأخذ، لان من فعل الشيء في غير الوقت الذي أمره الله تعالى أن يفعله فيه، فلم يفعل الشيء الذي أمره الله تعالى أن يفعله، وإنما فعل شيئاً آخر [٢٥٣/أ] . وإذا لم يفعل ما أمر به فهو باق، وتوبة هذا عندنا بالندم والإقلاع والإكثار من النوافل وفعل الخير، كما جاء في الأمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (١) : " أن لم يوف فرض صلاته جبر من تطوع إن وجد له ". فأما ما كان من هذا فرضاً في المال فليؤده متى أمكنه كالزكاة والكفارات، لأن الله عز وجل لم يحد لأحد وقت أداء الزكاة والكفارات حداً لا يتعدى، كما حد عز وجل للصلاة حداً وللصيام وقتاً محدود الطرفين معلوم الأول والآخر ينقضي وقت كل ذلك بخروج أوله.
والضرب الثالث: من امتحن بمظالم العباد، من أخذ أموالهم وضرب أبشارهم وقذف أعراضهم وإخافتهم ظلماً والإفساد عليهم، فالتوبة من هذه، الخروج عن المال المأخوذ بغير حقه ورده إلى أصحابه أو إلى ورثتهم، فاما أن يردها إلى الذين غصبها منهم بأعيانهم فقد سقط الإثم عنه يقيناً، وأما إن ردها إلى ورثتهم فقد سقط عنه إثم غصبه ما غصب عن الورثة أيضاً وبقي حق الموتى قبله، لأنه فعل ثان. فليكثر من فعل الخير ما أمكنه، فإن جهلوا فإلى إمام المسلمين إن كان لهم إمام عدل تجب طاعته، وإن لم يكن فلا بد من صرف المال إلى مصالح المسلمين، لأنه مال لا يعرف ربه، وليكثر
(١) مما يتصل بهذا المعنى: أول ما يحاسب به العبد صلاته فإن كان أتمها كتبت له تامة وإن لم يكن أتمها قال الله عز وجل: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتكملوا به فريضته. ثم الزكاة. ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك (مسند أحمد ٢: ٤٢٥؛ ٤: ٦٥، ١٠٣؛ ٥: ٧٢، ٣٧٧) .