للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل مسلم. ولم يقل عليه السلام قط، ولا أحد من الخلفاء بعده، إنه لا يلزمكم هذا القول أن تقولوه إلا حتى تستدلوا وتناظروا وتعرفوا الجوهر من العرض، ومعاذ الله أن يكون هذا واجباً ويغفله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتفق الأمة الفاضلة كلها على إبطاله وإغفاله، حتى جاءت المعتزلة والأشعرية (١) ، وهما الطائفتان المعروف (٢) قدرهما عند المسلمين. فها هنا قف يا أخي وقفة، وتأمله بقلب سليم، فإنه أظهر من كل ظاهر.

١٣ - وأما قولك لي: لو جاز أن يقلد لجاز أن يقلد غيره، فهذا لا يلزمني لأنه الحق، وغيره [٩٣ ب] هو المبطل الباطل. فمن سكنت نفسه إلى قوله عليه السلام، ولم تنازعه إلى دليل وقبله وقاله، فقد وفق للخير والهدى؛ ومن نازعته نفسه ولم تقنع إلا ببرهان، فهذا هو الذي يلزمه النظر والاستدلال، ويلزمنا البيان له والمحاجة والمجادلة بالتي هي أحسن، وإقامة البرهان عليه. وهكذا فعل عليه السلام، فإنه قبل الإسلام ممن أسلم بلا اعتراض، ومن حاجة أتاه بالآيات، ودعاه إلى المباهلة وتمني الموت وأقام عليه حجة البرهان الواضح. فتأمل هذا تجده كما أقول لك، ودع عنك بالله حماقات أهل السفسطة المسخرين لحماقات كتب ابن فورك (٣) والباقلاني (٤) ، وما هنالك، فما سرني انتساخك لكتابه المعروف " بالدقائق " وستقف عليه إن شاء الله تعالى وتتدبره، فلتعلم أن الكاغد مخسور في نسخه، بل المداد على تفاهة قدره.

١٤ - وأما قولك: أما الرسول فلا تجب طاعته إلا بعد معرفة الله ضرورة، إذ من جهل (٥) المرسل وقدره، وما يلزم من طاعتهن لم يلزمه اتباع مرسله ولا طاعته، هذا


(١) انظر ما سماه ابن حزم شنع المعتزلة في الفصل (٤: ١٩٢) وهو فصل من كتاب سماه النصائح المنجية من الفضائح المخزية والقبائح المردية من أقوال أهل البدع، ثم أضافه إلى كتاب الفصل؛ وأما الأشعرية هاجمهم في مواضع شتى من كتابه (وانظر بخاصة الفصل ٤: ٢٠٤) وقد عدهم من المرجثة وأكثر ما يعيبهم عنده قولهم إن الإيمان عقد بالقلب وإن أعلن المرء الكفر بلسانه وعبد الأوثان أو لزم اليهودية والنصرانية إلخ قال: وأما الأشعرية فكانوا ببغداد وبالبصرة ثم قامت لهم سوق بصقلية والقيروان وبالأندلس ثم رق أمرهم.
(٢) ص: المعروفة.
(٣) هو محمد بن الحسن انظر ترجمته في طبقات السبكي ٣: ٥٢ وتبيين كذب المفتري: ٢٣٢ وابن خلكان ٤: ٢٧٢ ومرآة الجنان ٣: ١٧ وإنباه الرواة ٣: ١١٠ والوفي ٢: ٣٤٤ والشذرات ٣: ١٨١ وكانت وفاته سنة ٤٠٦ هـ.
(٤) توفي القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني سنة ٤٠٣ هـ، انظر ترجمته في تبيين كذب المفتري: ٢١٧ وتاريخ بغداد رقم: ٢٩٠٦ وابن خلكان ٤: ٢٦٩ وترتيب المدارك ٤: ٥٨٥ والوافي ٣: ١٧٧ والديباج: ٢٦٧ وابن كثير ١١: ٣٥٠ والمنتظم ٧: ٢٦٥.
(٥) ص: جعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>