للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في المعقولات ما ليس يؤمن أن يكون قد غلط فيها غالط " (١) . ويقارن الفارابي بين المنطق وبين علم النحو وعلم العروض (٢) ، ويورد أقسام المنطق الثمانية بحسب كتب أرسطاطاليس: قاطيغورياس، باري أرمنياس، أنالوطيقا الأولى، أنالوطيقا الثانية، طوبيقا، سوفسطيقا، ريطوريقا، بويطيقا (٣) . أما العلم الثالث فهو ما يسميه أرسطاطاليس العلم الرياضي، ويسميه الفارابي علم التعاليم، ويسقمه إلى علم العدد والهندسة والمناظر والنجوم والموسيقى والأثقال والحيل، فيضيف إلى الأربعة الكبرى، وهي العدد والهندسة والنجوم والموسيقى ثلاثة أخرى يعدها غيره أقساماً فرعية للعلوم الرياضية (٤) ، ويبدو هنا حرص الفارابي على التوازن العددي، فعلوم اللسان سبعة وكذلك التعاليم، وعلم المنطق ثمانية، وكذلك العلم الطبيعي (وهو الرابع من حيث الترتيب) ، فهو ثمانية فروع مبنية على جهود أرسطاطاليس في كتبه الآتية: السماع الطبيعي والسماء والعالم والكون والفساد والآثار العلوية وكتاب المعادن وكتاب النبات وكتاب الحيوان وكتاب النفس. فإذا عرض الفارابي للعلمين الخامس والسادس وهما العلم الإلاهي زالعلم المدني (أو ما يسميه غيره العلوم العملية: من أخلاق وسياسة وتدبير) تبين لنا أنه التزم إلى حد كبير بالمفهوم المشائي لصنوف العلوم؛ غير أنه يفاجئنا برؤية جديدة حين يضع العلم المدني وعلم الفقه وعلم الكلام في فصل واحد، ذلك أنه يلمح قاسماً مشتركاً بين هذه العلوم، فإذا كانت الأخلاق تبحث في الفضائل والرذائل، وكانت السياسة هي أن تكون الأفعال والسنن الفاضلة موزعة في المدن والأمم (والتدبير يعني بالمنزل وبشؤون الاقتصاد عامة) فإن الفقه يتناول الأفعال التي تنظم المعاملات، كما أن الكلام ملكة يقتدر بها الإنسان على نصرة الآراء والأفعال التي صرح بها واضع الملة، أي هو نصر للفقه والأصول الفقهية.

ولا بد من أن نلحظ أن إحصاء الفارابي للعلوم، رغم احتفاظه بلب التصنيف الفلسفي، استطاع أن يضيف إليه أجزاء جديدة مستوحاة من الواقع العملي للعلوم لدى الأمة


(١) إحصاء العلوم: ٥٣.
(٢) إحصاء العلوم: ٥٤.
(٣) أصبحت أقسام المنطق تسعة عند ابن سينا (تسع رسائل) لأنه عد فيها إيساغوجي أو المدخل لفرفوريوس الصوري، وقد أخذ بهذا بعض من جاءوا بعده.
(٤) تسع رسائل: ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>