للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في علم شيء بتةً من العلوم الإنسانية التي تتم بطلب وتكلف البشر وحيلهم ... " (١) ثم يمضي في المقارنة بين علم الفيلسوف وعلم الرسل صلوات الله عليهم، فهذا الثاني يكون " بلا طلب ولا تكلف ولا بحث ولا بجبلةٍ بالرياضيات والمنطق ولا بزمان " (٢) ؛ ترى هل يعد الكندي العلوم المنبثقة عما جاء به الرسل من فقه وحديث وغير ذلك وهي جهد إنساني يتم بطلب البشر وتكلفهم من ضمن العلوم الإنسية، أو يلحقها بمصدرها الأول إتباعاً ذلك ما لا تبينه رسالته في كمية كتب أرسطاطاليس التي تنبئ عن معرفةٍ واضحة لتصنيف العلوم حسب النموذج الفلسفي المذكور، وإن كان الإحساس بالثنائية متوافراً لديه (٣) .

وذلك الإحساس نفسه هو الذي كان يشعر به الفارابي (٣٣٩ / ٩٥٠) وهو يحاول إحصاء العلوم؛ غير أنه بدلاً من أن يجعل العلوم في قسمين: دينية ودنيوية، اختط لنفسه منهجاً جديداً يمكن أن يوصف بالتفرد، فقد أبرز في البداية قيمة علمين قد يعدهما غيره آلتين للعلوم وهما علم اللسان وعلم المنطق، والثاني منهما عند أرسطاطاليس آلة (وكذلك عند ابن سينا) ، وغايته من ذلك حصر الأساسين الكبيرين اللذين تنبني عليهم العلوم جملةً، وما كان ليتجاهل أن هذين الأساسين بتفريعاتهما المختلفة قد أصبحا وخاصة علم اللسان علوماً جمة؛ فعلم اللسان يشمل علم بالألفاظ المفردة وعلم الألفاظ عندما تكون مفردة وعلم قوانينها عندما تكون مركبة وقوانين تصحيح الكتابة وقوانين تصحيح القراءة وقوانين تصحيح الأشعار (٤) .

سبعة علوم في مجموعها عند كل أمة تمثل " الأوليات " التعبيرية وصورها المختلفة؛ فهي على أنه علم أو علوم تمثل في سياق العلوم الأخرى ما تمثله الأبجدية في الكتابة، وأما صناعة المنطق فإنها تعطي بالجملة " القوانين التي شأنها أن تقوم العقل وتسدد الإنسان نحو طريق الصواب ونحو الحق في كل ما يمكن أن يغلط فيه من المعقولات، والقوانين التي تحفظه وتحوطه من الخطأ والزلل والغلط في المعقولات، والقوانين التي يمتحن بها


(١) رسائل الكندي الفلسفية ١: ٣٧٢.
(٢) المصدر السابق ١: ٣٧٣.
(٣) لا يتحدث الكندي في رسالته المشار إليها عن تفرعات العلوم الدينية، وإنما يتحدث عن تفرعات الفلسفة فهي تنقسم قسمين: علوم هي آلة كالمنطق والرياضيات (من عدد وهندسة وتنجيم وموسيقى) وعلوم تطلب لذاتها على المستويات النظري (كالطبيعيات وعلم النفس والمتافيزيقا) والعملي (كالأخلاق والسياسة) .
(٤) إحصاء العلوم: ٤٦ - ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>