للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" أرواح المؤمنين تتعارف ". ولذلك ما اغتم بقراط حين وصف له رجل من أهل النقصان يحبه، فقيل له في ذلك فقال: ما أحبني إلا وقد وافقته في بعض أخلاقه (١) .

وذكر أفلاطون أن بعض الملوك سجنه ظلماً، فلم يزل يحتج عن نفسه حتى أظهر براءته، وعلم الملك أنه له ظالم، فقال له وزيره الذي كان يتولى إيصال كلامه إليه: أيها الملك، قد استبان لك أنه بريء فما لك وله فقال الملك: لعمري ما لي إليه سبيل غير أني أجد لنفسي استثقالاً لا أدري ما هو. فأدي ذلك إلى افلاطون. قال: فاحتجت أن أفتش في نفسي وأخلاقي شيئاً أقابل به نفسه وأخلاقه مما يشبهها، فنظرت في أخلاقه فإذا هو محب للعدل كاره للظلم، فميزت هذا الطبع في، فما هو إلا أن حركت هذه الموافقة وقابلت نفسه بهذا الطبع الذي بنفسي فأمر بإطلاقي وقال لوزيره: قد انحل كل ما أجد في نفسي له.

وأما العلة التي توقع الحب أبداً في أكثر الأمر على الصورة الحسنة، فالظاهر أن النفس تولع بكل شيء حسن وتميل إلى التصاوير المتقنة، فهي إذا رأت بعضها تثبتت فيه (٢) ، فإن ميزت وراءها شيئاً من


(١) أقرب الأقوال إلى هذا قول منسوب إلى أنطيانس، إذ مدحه رجل شرير فقال له: ما أحوجني أن أكون قد فعلت شراً إذ كنت قد استحسنت مني شيئاً (صوان الحكمة: ٢٤٧) وقول أبقراط هذا قد نقله ابن حجة في كتابه ديوان الصبابة: ٤٩ وابن القيم في روضة المحبين: ٧٣؛ وانظر: دراسات عن ابن حزم للدكتور الطاهر مكي (القاهرة ١٩٧٧) ص ٣٢٤ - ٣٣٩.
(٢) قارن هذا بقول علي بن ربن الطبري " فإن من شان النفس الولوع والعجب بكل شيء حسن من جوهر أو نبت أو دابة، فإذا اتفق مثل الحسن في شيء هو من جنس الإنسان ومما في غريزته الحب له اهتاجت الشهوة حينئذ وحرصت النفس على مواصلته وقربه " (فالنصفان متشابهان إلى حد بعيد، وابن ربن توفي سنة ٢٤٧ هـ) . ويقول ابن الجوزي: العشق شدة ميل النفس إلى صورة تلائم طبعها فإذا قوي فكرها فيها تصورت حصولها وتمنت ذلك (ذم الهوى: ٢٩٣ وانظر أيضاً: ٢٩٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>