للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشكالها اتصلت وصحت المحبة الحقيقية، وإن لم تميز وراءها شيئاً من أشكالها لم يتجاوز حبها الصورة، وذلك هو الشهوة؛ وإن للصور لتوصيلاً عجيباً بين أجزاء النفوس النائية.

وقرأت في السفر الأول من التوراة (١) أن النبي يعقوب عليه السلام أيام رعيه غنماً للابان خاله مهراً لابنته شارطه على المشاركة في إنسالها، فكل بهيم ليعقوب وكل أغر للابان، فكان يعقوب عليه السلام يعمد إلى قضبان الشجر يسلخ نصفاً ويترك نصفاً بحاله، ثم يلقي الجميع في الماء الذي ترده الغنم، ويتعمد إرسال الطروقة في ذلك الوقت فلا تلد إلا نصفين، نصفا بهما ونصفاً غراً.

وذكر عن بعض القافة أنه أتي بابن أسود لأبيضين، فنظر إلى أعلامه فرآه لهما عير شك، فرغب ان يوقف على الموضع الذي اجتمعا عليه، فأدخل البيت الذي كان فيه مضجعهما، فرأى فيما يوازي نظر المرأة صورة أسود في الحائط، فقال لأبيه: من قبل هذه الصورة أتيت في ابنك.

وكثيراً ما يصرف شعراء أهل الكلام هذا المعنى في اشعارهم، فيخاطبون المرئي في الظاهر خطاب المعقول الباطن، وهو المستفيض في شعر النظام إبراهيم بن سيار (٢) وغيره من المتكلمين، وفي ذلك أقول شعراً منه: [من البسيط] :


(١) انظر سفر التكوين؛ الاصحاح: ٣٠/ ٢٥ - ٤٣.
(٢) ابراهيم بن سيار النظام أبو اسحاق ٢٣١/ ٨٤٥ أستاذ الجاحظ من أبرز المتكلمين البصريين، له عدة مؤلفات (انظر الفهرست: ٢٠٥ وطبقات المعتزلة: ٤٩) وأخباره وآراؤه مبثوثة في كتب الجاحظ، وللدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة دراسة عنه (القاهرة ١٩٤٦) ؛ قال ابن النديم: وذهب في شعره مذهب الكلام الفلسفي، وقد أورد ابن نباتة في سرح العيون: ٢٣٠ - ٢٣١ نماذج من شعره، ينطبق عليها ما يومئ إليه ابن حزم.

<<  <  ج: ص:  >  >>