للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن توعيرهم للألفاظ هو شح بالعلم وضن به يوم كان الناس جادين في طلبه يبذلون فيه الغالي والنفيس. الصعوبة الثانية: أن المناطقة قد درجوا على استعمال الرموز والحروف في ضرب الأمثلة. ومثل هذا شيء يعسر تناوله على عامة الناس، فليحول ابن حزم الأمثلة من الرموز إلى أخرى منتزعة من المألوف في الأحوال اليومية والشريعة. وهو يحس بخطر ما هو مقدم عليه، ويعتقد أنه أول من يتجشم هذه المحاولة.

ولم يكتب ابن حزم هذا الكتاب إلا بعد أن حفزه كثير من الدواعي في الحياة اليومية، وإلا بعد أن وجد الحاجة ماسة إلى المنطق في النواحي العملية من علاقات الناس وتفكيرهم، فهو قد لقي من يعنته بالسؤال عن الفرق بين المحمول والمتمكن، ولقي كثيراً من المشغبين الآخذين بالسفسطة في الجدل، وواجه من يسومه أن يريه العرض منخزلاً عن الجواهر، وقرأ مؤلفات معقدة لا طائل تحت تعقيدها، ورأى من يدعي الحكمة وهو منها براء فأراد لكتابه أن يكون تسديداً لعوج هذه الأمور وإصلاحاً لفسادها، ورداً على المخالفين والمشغبين وإقامة للقواعد الصحيحة في المناظرة، وهي يومئذ شغل شاغل لعلماء الأندلس.

٤ - مصادر الكتاب:

منذ أن بدأ دور الترجمة في تاريخ الفكر العربي بدأ النقلة ومن بعدهم من الشراح يهتمون بكتب أرسطاطاليس النطقية. وينسب إلى ابن المقفع أنه نقل ثلاثة من كتب المنطق الأرسطاطاليس وهي: قاطيغورياس وباري أرمينياس وأنولوطيقا، وأنه ترجم المدخل المعروف بإيساغوجي ... وعبر عما ترجم من ذلك بعبارة سهلة قريبة المأخذ (١) . ويذكر طيماثاوس الجاثليق الذي اتصل بالرشيد والمأمون أن الخليفة " أمرنا بترجمة كتاب طوبيقا لأرسطو الفيلسوف من السريانية إلى العربية. وقد قام بذلك بعون الله الشيخ أبو نوح " (٢) .

وقد ترك لنا صاحب الفهرست صورة من جهود النقلة والشراح المختصرين للكتب المنطقية الثمانية (٣) . وهو بيان يدل على ما بذله كل من الكندي وأحمد بن الطيب وثابت بن قرة ومتى بن يونس القنائي والفارابي ويحيى بن عدي وغيرهم في هذا الميدان:


(١) طبقات الأمم: ٤٩.
(٢) التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية: ١١٦ (ترجمة عبد الرحمن بدوي) القاهرة: ١٩٤٩.
(٣) الفهرست: ٣٠٨ - ٣١٠، ٣١٦، ٣٢٠ - ٣٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>