للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتلميذه أرسطاطاليس والإسكندر ومن قفا قفوهم، وهذا علم حسن رفيع لأنه فيه معرفة العالم كله بكل ما فيه من أجناسه إلى أنواعه، إلى أشخاص جواهره وأغراضه، والوقوف على البرهان الذي لا يصح شيء إلا به وتمييزه مما يظن من جهل أنه برهان وليس برهاناً، ومنفعة هذا العلم عظيمة في تمييز الحقائق مما سواها.... (١) .

فهذا الإيمان بفائدة علوم الفلسفة والمنطق هو الذي جعل ابن حزم بعد درسه لها، يحاول أن يوصل ما فهمه منها مبسطاً إلى الآخرين. وقد كسب له هذا الاتجاه عداوة الفريق الذي يكره الفلسفة والمنطق، وهو يومئذ الفريق الغالب في الأندلس. واتخذ اعداؤه هذه الناحية فيه محطاً لهجماتهم، ومن أمثلة ذلك أن أحد الناقمين كتب إليه كتاباً من الإمضاء، اتهمه فيه بأن الفساد دخل عليه من تعويله على كتب الأوائل والدهرية وأصحاب المنطق وكتاب أقليدس والمجسطي وغيرهم من الملحدين. فكتب ابن حزم يقول في الجواب: " أخبرنا عن هذه الكتب من المنطق وأقليدس والمجسطي: أطالعتها أيها الهاذر أم لم تطالعها فإن كنت طالعتها فلم تنكر على من طالعها كما طالعتها أنت وهلا أنكرت ذلك على نفسك وأخبرنا عن الإلحاد الذي وجدت فيها إن كنت وقفت على مواضعه منها، وإن كنت لم تطالعها فكيف تنكر ما لا تعرف (٢) " وأصبح ابن حزم يعتقد أن فائدة المنطق أمر لا يرتاب فيه منصف لأنها فائدة غير واقفة عند حدود الاطلاع والرياضة الذهنية بل تتدخل في سائر العلوم كعلم الديانة والمقالات والأهواء وعلم النحو واللغة والخبر والطب والهندسة وما كان بهذا الشكل فإنه حقيق أن يطلب وأن تكتب فيه الكتب، وتقرب فيه الحقائق الصعبة.

وغدا هذا الإيمان بقيمة المنطق وفائدته ابتداء حافزاً قوياً للتأليف فيه. إلا أن ابن حزم واجه في دراسته لهذا العلم صعوبتين، فلم لا يحاول تذليلهما للقارئ الذي يود الانتفاع بدراسة المنطق: الأولى تعقيد الترجمة وإيراد هذا العلم بألفاظ غير عامية، ويعني ابن حزم بالعامية الألفاظ الفاشية المألوفة التي يفهمها الناس لكثرة تداولها، فليكتب، إذن، كتاباً قريباً إلى الإفهام " فإن الحظ لمن آثر العلم وعرف فضله أن يسهله جهده ويقربه بقدر طاقته ويخففه ما أمكن " (٣) . وهو يحسن الظن بالمترجمين ويرى


(١) المصدر نفسه: ٤٣.
(٢) المصدر نفسه: ١٠.
(٣) التقريب، الورقة: ٤ ظ (من نسخة س) .

<<  <  ج: ص:  >  >>