للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى لكتابه قبل التاريخ المذكور.

٣ - دواعي تأليفه:

قضى ابن حزم جانباً من شبابه وهو يطلب العلم في قرطبة حتى سنة ٤٠١. وقد أثر في نفسه في ذلك الدور المبكر من حياته ما سمع بعض الأغرار يقولونه في المنطق والعلوم الفلسفية عامة دون تحقيق، وأولئك هم الذين عناهم بقوله: " ولقد رأيت طوائف من الخاسرين شاهدتهم أيام عنفوان طلبنا، وقبل تمكن قوانا في المعارف، وأول مداخلتنا صنوفاً من ذوي الآراء المختلفة، كانوا يقطعون بظنونهم الفاسدة من غير يقين أنتجه بحث موثوق به على أن الفلسفة وحدود المنطق منافية للشريعة " (١) . ولعل بيئة قرطبة والأندلس عامة يومئذ بمعاداتها لعلوم الأوائل هي التي حفزت حب الاستطلاع لديه فجعلته يدرس الفلسفة والمنطق، ومن ثم قوى لديه الشعور بأن العلوم الفلسفية لا تنافي الشريعة، بل إن المنطق منها يمكن خاصة يمكن أن يتخذ معياراً لتقويم الآراء الشريعة وتصحيحها، وكان اتجاهه إلى مجادلة أهل المذاهب والنحل الأخرى يفرض عليه أن يتدرع بقوة منطقية في المناظرة والجدل. وهاتان الغياتان كانتا من أول العوامل التي حدت به إلى التأليف في المنطق ليثبت عدم التنافي بينه وبين الشريعة وليعزز به موقفه العقلي إزاء الخصوم ويضع فيه القواعد الصحيحة للجدل والمناظرة ويبين فيه حيل السفسطة والتشغيب.

وظل ابن حزم على رأيه هذا يؤمن بفائدة المنطق والفلسفة وسائر علوم الأولين ما عدا التنجيم -. فهو في رسالة " مراتب العلوم " ينصح الدارس أن يبدأ بعد تعلم القراءة والكتابة وأصول النحو واللغة والشعر والفلك، بالنظر في حدود المنطق وعلم الأجناس والأنواع والأسماء المفردة والقضايا والمقدمات والقرائن والنتائج ليعرف ما البرهان وما الشغب، وكيف التحفظ مما يظن أنه برهان وليس ببرهان، فهذا العلم يقف على الحقائق كلها ويميزها من الأباطيل تمييزاً لا يبقى معه ريب (٢) . ويسأله أحدهم رأيه في أهل عصره وكيف انقسموا طائفتين: طائفة اتبعت علوم الأوائل وطائفة اتبعت علم ما جاءت به النبوة ويطلب إليه أن يبين له أيهما المصيب، فيقول في الجواب: أعلم وفقنا الله وإياك لما يرضيه أن علوم الأوائل هي الفلسفة وحدود المنطق التي تكلم المنطق فيها أفلاطون


(١) التقريب: ٥١ / و.
(٢) رسائل ابن حزم: ٧١ (ط. مصر) .

<<  <  ج: ص:  >  >>