للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر ابن حزم في موضع من كتابه أنه بناه على الاختصار، وهذا كلام صحيح إذا نحن قسنا هذا الكتاب بالكتب المنطقية كلها، وكان الأصح أن يقول إنه بناه على الاختيار، من جهة، وعلى التبسيط من جهة أخرى، فأما الاختيار فإنه حاول أن يبرز لقراء المنطق النقاط التي يراها هامة لترسيخ القواعد الأصلية فيه، وفي أثناء هذه المحاولة كان تبسيط في الشرح من أجل تبسيط المعلومات.

ويتضح ذلك بإجراء بعض المقارنات، ففي الحديث عن " الجنس " يقول فرفوريوس الصوري: " يقال الجنس لجماعة قوم لهم نسبة بوجه الوجوه إلى واحد أو لبعضهم البعض على المعنى الذي يقال به جنس الهرقليين من قبل نسبتهم من واحد، أعني من هرقل، إذ كان جماعة القوم الذين لبعضهم قرابة إلى بعض من قبله قد يدعي جنساً بانفصالهم من سائر الأجناس الأخر. وقد يقال أيضاً على جهة أخرى جنس لمبدأ كون كل واحد واحد، إما الوالد أو من الموضع الذي يكون فيه الإنسان، فإنه على هذه الجهة تقول إن أورسطس من طنطالس وأولس من إيرقلس، وتقول أيضاً أن جنس أفلاطن أثيني وجنس فنطارس ثيباي، وذلك أن البلد مبدأ لكون كل واحد كالأب.... الخ " (١) .

فإذا أراد ابن حزم أن يعرض لهذه الفكرة قال: " ذكر الأوائل قسماً في الجنس لا معنى له وهو كتميم لبني تميم، والبصرة لأهلها، والوزارة لكل وزيرن والصناعة لأهلها، وهذا غير محصور ولا منضبط، فلا وجه للاشتغال به (٢) ". فهذا الذي قاله فرفوريوس في عبارات مطولة أوجزه ابن حزم في كلمات قليلة.

وإليك مثالاً آخر: " يلخص ابن رشد ما يقوله أرسطاطاليس في تحديد معنى الانعكاس: " وأعني بالانعكاس أن يتبدل ترتيب أجزاء القضية فيصير محمولها موضوعاً وموضوعها محمولاً، ويبقى صدقها وكيفيتها من الإيجاب والسلب أيضاً محفوظاً، فإذا ما تبدل الترتيب ولم يبق الصدق محفوظاً فهو الذي يسمى في هذه الصناعة قلب القضية " (٣) . وحين تناول بن حزم موضوع الانعكاس تجده يقول: " والانعكاس هو أن تجعل الخبر مخبراً عنه موصوفاً، وتجعل المخبر عنه خبراً موصوفاً به من غير أن يتغير


(١) إيساغوجي نقل أبي عثمان الدمشقي، تحقيق الدكتور أحمد فؤاد الأهواني (القاهرة ١٩٥٢) : ٦٨.
(٢) التقريب (النسخة س) ، الورقة: ٩.
(٣) تلخيص منطق أرسطو (بيروت ١٩٨٢) ١: ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>