للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعنى في ذلك أصلاً، بل إن كانت القضية موجبة قبل العكس فهي بعد العكس موجبة، وإن كانت نافية قبل العكس فهي بعد العكس نافية، وإن كانت صادقة قبل العكس فهي بعد العكس صادقة، وإن كانت كاذبة قبل العكس فهي بعد العكس كاذبة، إلا أنه في بعض المواضع تكون القضية كلية قبل العكس وجزئية بعد العكس، لا يحيلها العكس بغير هذه البتة، وإنما نعني بهذا العكس ما لا يستحيل أبداً.... " (١) فتأمل كيف يتوسع ابن حزم في البسط والتبسيط معاً لما جعله ابن رشد في كلمات قليلة. ومن أجل التيسير على متلقي المنطق وضع ابن حزم أمثلة منطقية مستمدة من الشريعة، كما " عرب " كثيراً من الأمثلة التي وردت مترجمة عن اليونانية، وحذف كثيراً من الأمور المعقدة التي لا يحتاجها المبتدئ، من ذلك قوله: " ولم أترك إلا أشخاص تقاسيم من موجبات وسوالب من البسائط والمتغيرات والمحصورة والمهملة ومن المخصوصة ومن الاثنينية والثلاثية والرباعية لا يحتاج إليها، وإنما هي تمرن وتمهر لمن تحقق بهذا العلم تحققاً يريد ضبط جميع وجوهه " (٢) . أو قوله في موضع آخر: " وذكر الفلاسفة ها هنا شيئاً سموه " كون الشيء في الشيء " وليس يكاد ينحصر عندنا، وإن كنا محصوراً في الطبيعة، فلم نر وجهاً للاشتغال به، إذ ليس إلا من تشقيق الكلام فقط كقولهم: النوع في الجنس في النوع وما أسبه ذلك مما لا قوة فيه في إدراك الحقائق وإقامة البراهين وكيفية الاستدلال الذي هو غرضنا في هذا الكتاب " (٣) .

وابن حزم لا ينقاد للآراء إذا لم تكن مما يرتضيه حكمه العقلي، ولذلك نجده كثيراً ما يحمل الخطأ على الترجمة والمترجمين أو يذهب إلى التصريح بمخالفة الأوائل في كثير من المواقف؛ قال أبو محمد (٤) في بعض تعليقاته: " هذه عبارة المترجمين وفيها تخليط لأنهم قطعوا على أن الرسم ليس مأخوذاً من الأجناس والفصول وأنه إنما هو مأخوذ من الأعراض والخواص، ثم لم يلبثوا أن تناقضوا فقالوا: إن كل حد رسم فأوجبوا أن الحد مأخوذ من الأعراض أو أن بعض الرسوم مأخوذ من الفصول، وهذا ضد ما قالوه


(١) التقريب: ٤٨ و (من النسخة س) .
(٢) التقريب: ٤٦ / و (من النسخة س) .
(٣) التقريب: ٣٣ / و.
(٤) جاء في النسخة التونسية قال الشيخ بدل قال أبو محمد، وقد أثارت اللفظة اهتمامي في الطبعة الأولى، فكتبت عنها في المقدمة، وقدرت أن الشيخ ربما كانت تشير إلى متى المنطقي؛ وهو تقدير غير مستبعد، لو اتفقت النسختان على إيرادها.

<<  <  ج: ص:  >  >>