للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما بالمرء حاجة إليه في قراءة (١) الكتب المجموعة في العلوم فقط. فمن يزيد في هذا العلم إلى إحكام كتاب سيبويه فحسن، إلا أن الاشتغال بغير هذا أولى وأفضل، لأنه لا منفعة للتزيد على المقدار الذي ذكرنا إلا لمن أراد أن يجعله معاشاً، فهذا وجه فاضل لأنه باب من العلم على كل حال.

والذي يجزئ من علم اللغة كتابان: أحدهما " الغريب المنصف " لأبي عبيد، والثاني " مختصر العين " للزبيدي، ليقف على المستعمل بهما، ويكون ما عدا المستعمل منهما عدة لحاجة إن عنت يوماً ما في لفظ مستغلق فيما يقرأ من الكتب. فإن أوغل في علوم اللغة حتى يحكم " خلق الإنسان " لثابت، و " الفرق " له (٢) ، و " المذكر والمؤنث " لابن الأنباري و " المدود والمقصور والمهموز " لأبي عليّ القالي و " النبات " لأبي حنيفة أحمد بن داود الدينوري، وما أشبه ذلك فحسن بخلاف ما قلنا في علل النحو، لأن اللغة كلها حقيقة وذات أوضاع صحاح وعبارات عن المعاني، ولو كانت اللغة أوسع حتى يكون لكل معنى في العالم أسم مختص به، لكان أبلغ للفهم وأجلى للشك وأقرب للبيان، إلا أن الاقتصار على المقداد الجاري مما ذكرنا، والانصراف إلى الأهم والأوكد من سائر العلوم، أولى.

وإن كان مع ما ذكرنا رواية شيء من الشعر فلا يكن إلا من الأشعار التي فيها الحكم والخير، كشعر حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، وكشعر صالح بن عبد القدوس ونحو ذلك، فإنها نعم العون على تنبيه النفس.

وينبغي أن يتجنب من الشعر أربعة أضرب:

أحدها: الأغزال والرقيق: فإنها تحث على الصبابة وتدعو إلى الفتنة، وتحض على الفتوة وتصرف النفس إلى الخلاعة واللذات (٣) وتسهل الانهماك في الشطارة والعشق وتنهى عن الحقائق، حتى ربما أدى ذلك إلى الهلاك والفساد في الدين وتبذير


(١) ص: قل.
(٢) ثابت بن أبي ثابت، أبو محمد اللغوي، من أصحاب أبي عبيد القاسم بن سلام وكتابه " خلق الإنسان " أجاد فيه حق الإجادة (انظر إنباه الرواة ١: ١٦٢ وبغية الوعاة: ١: ٤٨١.
(٣) ص: الذات.

<<  <  ج: ص:  >  >>