للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المال في الوجوه الذميمة وإخلاق وإذهاب المروءة وتضييع الواجبات. وإن سماع شعر رقيق لينقض بنية المرء الرائض لنفسه حتى يحتاج إلى إصلاحها ومعاناتها برهة، لا سيما ما كان يعني (١) بالمذكر وصفة الخمر والخلاعة، فإن هذا النوع يسهل الفسوق ويهون المعاصي ويردي جملة.

والضرب الثاني: الأشعار المقولة في التصعلك وذكر الحروب كشعر عنترة وعروة بن الورد وسعد (٢) بن ناشب وما هنالك، فإن هذه أشعار تثير النفوس وتهيج الطبيعة وتسهل على المرء موارد التلف في غير حق، وربما أدته إلى هلاك نفسه في غير حق، وإلى خسارة الآخرة، مع إثارة الفتن وتهوين الجنايات والأحوال الشنيعة والشره إلى الظلم وسفك الدماء.

والضرب الثالث: أشعار التغرب، وصفات المفاوز والبيد المهامه، فإنها تسهل التحول والتغرب وتنشب المرء فيما ربما صعب عليه التخلص منه بلا معنى.

والضرب الرابع: الهجاء، فإن هذا الضرب أفسد الضروب لطالبه، فإنه يهون على المرء الكون في حالة أهل السفه من كناسي الحشوش (٣) والمعاناة لصنعة الزمير المتكسبين بالسفاهة والنذالة والخساسة وتمزيق الأغراض وذكر العورات وانتهاك حرم الآباء والأمهات، وفي هذا حلول الدمار في الدنيا والآخرة.

ثم صنفان من الشعر لا ينهى عنهما نهياً تاماً ولا يحض عليهما بل هما عندنا من المباح الكروه وهما: المدح والرثاء: فأما إباحتهما فلأن فيهما ذكر فضائل الموت والممدوح، وهذا يقتضي للراوي ذلك الشعر الرغبة في مثل ذلك الحال، وأما كراهتنا لهما فإن أكثر ما في هذين النوعين الكذب، ولا خير في الكذب.

وأيضاً فإن الإكثار من رواية الشعر، هو كسب غير محمود، لأنه [من] طريق


(١) ص: وينهي.
(٢) ص: سعيد؛ أما سعد فهو أحد شعراء الحماسة؛ كان من شياطين العرب وهو صاحب يوم الوقيط في الإسلام بين تميم وبكر، وقد أصاب دماً فهدم بلال داره. (راجع الشعر والشعراء: ٦٧٧ والخزانة ٣: ٤٤٤ والسمط: ٧٢٩) .
(٣) ص: كناني الحسوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>