للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما علم العبارة (١) فهو طبع في المعبر مع عون العلم عليه ولا يقطع بصحته إلا بعد ظهور ذلك عليه لا قبله.

فهذه الأفانين هي التي يطلق عليها في قديم الدهر وحديثه اسم العلم والعلوم.

وعند التحقيق وصحة النظر فكل (٢) ما علم فهو علم؛ فيدخل في ذلك علم التجارة والخياطة والحياكة وتدبير السفن وفلاة الأرض وتدبير الشجر ومعاناتها وغرسها والبناء وغير ذلك. إلا أن هذه إنما هي للدنيا خاصة فيما بالناس إليه الحاجة في معايشهم. والعلوم التي قدمنا، الغرض [منها] التوصل إلى الخلاص في المعاد فقط، فلذلك استحقت التقديم والتفضيل، والله تعالى التوفيق.

ونحن نوصي طالب العلم (٣) بأن لا يذم ما جهل منها، فهو دليل على نقصه وقوله بغير معرفة، وأن لا يعجب بما علم فتطمس فضيلته، ويستحق المقت من الواهب له ما وهب، وأن لا يحسد من فوقه حسداً يؤديه إلى تنقيصه، فهذه رذيلتان. وأما إن حسده لم ينتقصه، وكان ذلك رغبة في الوصول إلى ما وصل إليه محسوده فحسن، وهو رغبة في الخير. وأن لا يحقر من دونه فقد كان في مثل حاله قبل أن يعلم ما علم. وأن لا يكتم علمه فيحصل هو ومن لا علم له ف منزلة واحدة، إذ كلاهما غير مستعمل للعلم ولا مظهر له. وأن لا تكلم في علم قبل أن يحكمه فيخزى، وأن لا يطلب بعلمه عرض دنياه فيبذل الأفضل بالأدنى، وأن يستعمل تقوى الله تعالى في سره وجهره، فهو زين العالم، وبالله التوفيق.

@فصل

والعلوم التي ذكرنا يتعلق بعها ببعض ولا يستغني منها علم عن غيره، فأول ذلك أنا قد ابنا أن غرضنا من الكون في الدنيا والمطلوب بتعلم العلوم إنما هو تعلم علم


(١) يعني علم تعبير الرؤيا.
(٢) ص: فهل.
(٣) ص: العالم.

<<  <  ج: ص:  >  >>