للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تضمَّن شيئًا لا يمكن تغيير لفظه، فحينئذ يعذر ناثره إذا أتى بذلك اللفظ, ومثاله قول الشاعر في أول الحماسة١:

لو كنت من مازنٍ لم تستبح إبلي ... بنو اللقيطة من ذُهْل بن شيبانا

وقد نثرت ذلك فقلت: "لست ممن تستبيح إبله بنو اللقيطة، ولا الذي إذا همَّ بأمر كانت الآمال إليه وسيطة، ولكني أحمل الهَمَلَ وأقرِّب الأمل، وأقول: سبق السيف العذل٢": فذكر "بني اللقيطة" ههنا لا بُدَّ منه على حسب ما ذكره الشاعر، وكذلك الأمثال السائرة، فإنه لا بُدَّ من ذكرها على ما جاءت في الشعر.

وأما القسم الثاني وهو وسط بين الأول والثالث في المرتبة:

فهو٣ أن ينثر المعنى المنظوم، ببعض ألفاظه، ويعزم عن البعض بألفاظ أخر، وهناك تظهر الصنعة في المماثلة والمشابهة, ومؤاخاة الألفاظ الباقية بالألفاظ المرتجلة، فإنه إذا أخذ لفظًا لشاعر مجيد قد نقَّحه وصحَّحه فقرنه بما لا يلائمه كان كمَن جمع بين لؤلؤة وحصاة، ولا خفاء بما في ذلك من الانتصاب للقدح، والاستهداف للطعن.

والطريق المسلوك إلى هذا القسم أن تأخذ بعض بيت من الأبيات الشعرية هو أحسن ما فيه ثم تماثله. وسأورد ههنا مثالًا واحدًا ليكون قدوة للمتعلِّم، فأقول: قد ورد هذا البيت من شعر أبي تمام في وصف قصيدة له:

حَذَّاء تملأ كل أذنٍ حكمةً ... وبلاغةً وتدِرُّ كلّ وريد٤


١ ديوان الحماسة ١/ ١٣ والبيت لقريط بن أنيف أحد بني العنبر.
٢ مَثَلٌ من أمثال العرب, قاله ضبة بن أد لما لامه الناس على قتله قاتل ابنه في الحرم، انظر مجمع الأمثال للميداني ١/ ٢٤١.
٣ في الأصل "وهو".
٤ ديوان أبي تمام ٨٥ وهو من قصيدة يمدح بها أبا عبد الله أحمد بن أبي داود، ويعتذر إليه وقبله:
خذها مثقفة القوافي ربها ... لسوابغ النعماء غير كنود
وفي الأصل "وحداء" موضع "حذاء", والحذاء: القارصة أو الطاعنة، وتدر: تحلب، والوريد عرق في العنق

<<  <  ج: ص:  >  >>