للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك ما ذكرته في صدر كتاب يتضمَّن فتحًا، وهو:

"أُصدر هذا الكتاب، والفتح غضٌ طريٌ لم تنصل حمرة يومه، ولا أغمدت سيوف قومه، فسطوره متَرَّبة بمثار عجاجه، ممتلئة بخط ضربه وإعجام زجاجه١.

وهذا المعنى ينظر إلى قول أبي تمام٢:

كتبَّت أوجههم مشقًا ونمنمةً ... ضربًا وطعنًا يقات الهام والصلفا٣

كتابةً ما تني مقروءةً أبدًا ... وما خططت بها لامًا ولا ألفا

إلَّا أنَّ أبا تمام مثَّل آثار الضرب والطعان في الوجوه بالكتابة، وأنا مثَّلت الكتابة وإعجامه بالضرب والطعن، فكأنَّني عكست المعنى الذي ذكره أبو تمام:

وهذا مقصد في حلِّ الأبيات الشعرية حسن، فإن استخراج المعنى من عكسه أدق من استخراجه من نفسه، وقد نبَّهت على ذلك في مواضع أخر من هذا الباب.

ومن ذلك ما ذكرته في فصل كتاب يتضمَّن فتحًا من فتوح الكفار، وهو:

"وأقبلت أحزاب الكفر وهي معتصمة بصليبها، ورفعته على أعواد عالية كهيئة خطيبها، ولم تعلم أن الله كتب عليه الهوان بعد تلك الكرامة، وأنه ذو شعبٍ أربع, والتربيع نحسٌ في حكم النجامة٤، وكيف ترجو بكفرها ظهورًا ولها منه معنى الاختفاء, وللإسلام معنى السلامة، ولما التقى الجمعان اصطفت يمين وشمال، وزحفت جبال إلى جبال، وكثرت النفوس على المنايا حتى كادت لا تفي بالآجال، وأقدمت الخيل إقدام فرسانها، وأظلم النقع فلا تبصر إلّا بآذانها، ونالت النحور ثأرها من كعوب الرماح، واشتكت الأسنَّة فلا طريق بينها لمهبِّ الرياح، واستؤصلت شجرة الكافرين بالقطع لا بالجداد، وحال حد السيف دون حديد الأصفاد، ونقلوا إلى


١ الزجاج بكسر الزاي جمع زج بضمها: الحديدة في أسفل الرمح.
٢ ديوان أبي تمام ٢٠٣.
٣ المشق مد الحروف، والصلف جمع صليف, وهو عرض العنق.
٤ أراد بها صناعة التنجيم، قال ابن أبي الحديد: إن لفظة "النجامة" رديئة مستغفلة على أنَّا لا نعرف صحتها وجوازها، ولا سمعناها اسمًا للتنجيم ولا مصدرًا -انظر الفلك الدائر على المثل السائر ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>