ومن ذلك ما كتبته عن الملك القاهر عز الدين مسعود بن أرسلان بن مسعود صاحب الموصل:
إلى الديوان العزيز ببغداد بعد وفاة والده يسأل في التقليد، وكان عمره إذ ذاك ست عشرة سنةً.
فمما جاء في صدر الكتاب بعد الدعاء قولي، وهو:
"إذا تُوفِّي وليٌّ من أولياء الدولة فمن السُّنَّة أن يعزَّى بفقده، ويستَخْرَج إذنُها في سليله القائم من بعده، حتى لا تخلو أرضها من رواسي الجبال، ولا سماؤها من مطالع الكواكب التي تجلو ظلمة الليال، وقد مضى والد العبد إلى رحمة الله, وهو متزود من الطاعة خير زاد، غير خائف من إحصاء الرقيب والعتيد إذ جعلها له من العتاد، وما عليه وقد ثقلت كفة ميزانه ما كان في الكفة الأخرى من السجلات الكثيرة الأعداد، ومضمون وصيته التي عهدتها أن نمشي في الطاعة على أثره، ونهتدي بالأوامر الشريفة في مورد الأمر ومصدره، وقد جعلها العبد نجيَّ فكره إذا قام وإذا قعد، وسُبْحَة صلاته إذا ركع وإذا سجد، وهو يرى أنه لم يمض والده حتى أبقى للدولة من يثبِّت قدمه موضع قدمه، وعند ذلك يقال: إن غصن الشجرة كالشجرة في نبات أصله, وقوة معجمه، وهذا مقام لا تمتاز فيه الآباء عن الأبناء، وليست المزية لاكتهال السن إنما هي لشبيبة الغناء، وقد أوتي يحيى الحُكْمَ قبل أن يجري القلم في كتابه، وشهد له بالتزكية قبل أن ينتصب في محرابه، وكذلك قد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة على فتاء عمره، وشهد أنه خليق بما أسند إليه من أمره، والعبد وإن بسط الاستحقاق لسانه, فإنه الأدب يحكم بانقباضه، ويريه أن التفويض إلى إنعام الديوان العزيز أسرع في نجح أغراضه، ولا شك أن منتهى الآمال لا يبلغ أدنى تلك المواهب، ولو جمعت في صعيدٍ واحد, ثم سألت مطالبها لما نقصت خزائن العطايا من تلك المطالب".
وهذا الفصل من أول الكتاب، وفيه معنى آيتين من سورة مريم -عليها السلام, أما