للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاعتذار، ولا ينفد بمواظبة الآصرار، ولو عرف ذنبه باديًا لقرع له سنّ الندامة، وعاد على نفسه بالملامة, ولما كان عجيبًا أن يكون مُليمًا١، وأن يكون مولانا كريمًا، لكنه حمل آصرة الذنب وهو بريء من حملها، وخاف أن تكون هذه كأخواتها التي سلفت من قبلها، والأمور المتشابهة يقاس البعض منها على البعض، والملسوع لا يستطيع أن يرى مجرَّ حبلٍ على الأرض، ولم يجترم الملوك الآن جريمةً سوى أن فَرَّ إلى الاعتصام، وألقى بيده إلى أقوام لم يكونوا له بأقوام، وإذا ضاق على المرء أقربه كان الأبعد له من ذوي الأرحام، وليس بأول من ذهب هذا المذهب، ولا بأوّل من حمل نفسه على ركوب هذا المركب.

ولئن قال بعض الناس: إنه عجَّل في اعتصامه وفراره، وإنه لو صبر لحمد مغبة اصطباره, فهذا قول من لم يعرف حال الملوك فيقيم له عذرًا, ولا ابتلي بما ابتُليِ به من قوارص مولانا مرة بعد أخرى، ولقد تكاثرت عليه هذه الأقوال المؤنّبة حتى ملأت طرفه كحل السُّهاد، وجنبه شوك القتاد، وأصبح وهو يرى أنه زلق في خطيئته زلقًا، وغصَّ بندمه من أجلها شرقًا، وبدت له سوأته حتى طفق يخصف عليها ورقًا٢، ومع هذا فإنه واثقٌ أن حلم مولانا لا يؤتى من الزلل، وأن حصاة الذنوب لا تَخِفّ بوزن ذلك الجبل، وها هو جاء نازعًا, وللنَّازع العتبى، وعاد مستشفعًا, ولا شفيع أكرم من القربى".

ثم مضيت على هذا النهج إلى آخر الكتاب.

وفي الذي أوردته من هذا الفصل معنى آية من القرآن في سورة "الأعراف"، وهي قوله تعالى: {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} ٣.


١ المليم: الداخل في الملامة.
٢ يجعل على عورته ورقة فوق ورقة، ليستتر بها، كما تخصف النعل.
٣ سورة الأعراف: الآية ٢٢، وفي الأصل "فبدت" وصحة الآية {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} .

<<  <  ج: ص:  >  >>