للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيّ فرق بين وجوده وعدمه لولا أن تملك به القلوب، وتقل به الخطوب، ويركب به ظهر العزم الذي ليس بركوب، ومن بسط الله يده فيه, ثم قبضها بخله, فإنه يقف دون الرجال مغمورًا، ويقعد عن نيل المعالي ملومًا محسورًا، وإذا أدركته منية مضى وكأنه لم يكن شيئًا مذكورًا.

ومذ ناط الله بيد الخادم ما ناطه من أمر بلاده, لم يدخر منها إلا مربط أشقره، ومركز أسمره١، وما عداهما فإنه مصروف إلى قوة الإسلام في سد ثغوره, وتكثير جنوده، وإيقاد حرب عدوه بعد خمودها, واستباحة جمرها عند وقوده، وما يفضل عن ذلك فإنه للناس يشتركون في وشله وغمره٢، والمسلم أخو المسلم يساويه في حقه من بيت المال, وإن كان خالفه في مزية قدره، ولا سبيل على الخادم وهو يفعل ما يفعله أن يدلس من هذا المال بتبعة المطلوب، أو يلتحق بالقوم الذين يكنزونه فيجزي عليه بكي الجباه والظهور والجنوب، ولم يأت به الله على فترة من مثله إلا ليمحو به سيئات الدين ويعيد به الإسلام إلى وطنه بعد أن طال عهده بمفارقة الوطن، ولا يكون حسنة من حسنات أمير المؤمنين ترقمها الدنيا في ديوانه، وتثقل بها في الآخرة كفة ميزانه".

وفي هذا الفصل معنى آيتين: إحداهما: في سورة "هل أتى"، والأخرى في سورة "براءة".

ومن ذلك ما كتبته عنه:

إلى عمِّه الملك العادل أبي بكر بن أيوب من كتاب يتضمَّن استعطافه والتنصل إليه، وهو:

"من شيمة الأقدار أن تذهب ببصائر ذوي الألباب، وتمثل لهم الخطأ في مثال الصواب، ولولا ذلك لما زلَّ الحكيم واعوجَّ المستقيم، والمملوك يُقَبِّل اليد الكريمة المولويَّة الملكية العادلية, لا زال عرفها مأمولًا، وإحسانها عند الله مقبولًا، وفعلها في المكرمات مبتدعًا إذا كان فعل الأيادي مفعولًا، ونستغيث إلى عفوها الذي يكفي فيه لفظة


١ المراد بالأشقر الفرس وبالأسمر الريح.
٢ الوشل: الماء القليل، والغمر: الماء الكثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>