للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رداءك، فبسطته، فحدَّث حديثًا كثيرًا فما نسيت شيئًا حدثني به، وأما رواية أبي هريرة فشكَّ فيها قوم لكثرتها.

وقد اجتمع في هذا الفصل معنى الحديث النبوي وغيره، ومثل هذا لا يتفطَّن له عند الوقوف إلا من تبحر في الوقوف على الأخبار النبوية، ومن أجل ذلك جعلته ركنًا من أركان الكتاب في الفصل التاسع.

ومن ذلك ما ذكرته في ذمِّ بعض البلاد الوخمة، فقلت:

"ومن صفاتها أنها مدرة١ مستوبلة الطينة، مجموع لها بين حر مكة ولأواء٢ المدينة، إلا أنها لم يأمن حرمها في الخطفة، ولا نقلت حماها إلى الجُحْفَة".

في هذه الكلمات القصار آية من القرآن الكريم، وخبران من الأخبار النبوية، فالآية من سورة العنكبوت، وهي قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} ٣, وهذا موضع يختص بالأخبار لا بالآيات، غير أن الآية جاءت ضمنًا وتبعًا.

وأما الخبران: فالأول منهما قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "من صبر على حرِّ مكة ولأواء المدينة ضمنت له على الله الجنة". وأما الثاني فقوله -صلى الله عليه وسلم- في دعائه للمدينة: "اللهم حببها إلينا كما حبَّبت إلينا مكة, وانقل حمَّاهَا إلى الجُحْفَة" ٤.

فانظر أيها المتأمل إلى هذه الكلمات, حتى تعلم أن عدتها مصوغة من الآية والخبرين سواء بسواء.

وهذا طريق لو ادعيت الانفراد بسلوكه لما اختلف عليّ في الاعتراف به اثنان.


١ المدرة واحدة المدر، وهي المدن والحواضر.
٢ اللأواء: الشدة.
٣ سورة العنكبوت: الآية ٦٧.
٤ الجحفة: كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة إلى مدينة، وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمروا على المدينة، وكان اسمها مهيعة، وسميت الجحفة؛ لأن السيل جحفها، وبينها وبين البحر ستة أميال.

<<  <  ج: ص:  >  >>