للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا مأخوذ من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأمر بنكاح البعيدة النسب, فقال: "غربوا لا تضووا" يريد بذلك أن الإنسان إذا نكح المرأة القريبة إليه حصل بينهما حياء يمنع من قضاء الشهوة كما ينبغي, فيجيء الولد ضاويًا: أي: هزيلًا، وهذا معنًى غريب لي استخرجته من الحديث النبوي.

ومن ذلك ما ذكرته في فصل من كتاب إلى بعض الإخوان:

جوابًا عن كتاب ورد منه يتضمَّن الشكوى من شخص جرت بينه وبينه مخاصمة، فقلت:

"وصل كتابه وهو كتابُ مَنْ أكْثَر الشكوى، وطلب العَدْوَى١، ونزل من التظلُّم بالعدوة٢ الدنيا، وأنزل خصمه القصوى، والقاضي لا يحكم لأحد الخصمين حتى يحضر صاحبه، وإن فقئت عين أحدهما فربما فقئت عين الآخر, وهُشِّمَ جانبه، على أنه قد اعترف أن كليهما كان للحم أخيه آكلًا، وعليه في حال محضره جاهلًا، وسباب المؤمن معدود من فسوقه، وإطراقه عن تورُّد هذا المقام أولى من طروقه، ولولا تغليظ النكير لما جعل اللسان واليد سواء فيما جرحا، ولما أخَّر الله المغفرة عن الخائضين فيها حتى يصطلحا، فكن أنت ممنَّ أطاع تقواه لا هواه، واتَّبع من علم الحقَّ فرآه أو سمعه فرواه، واعلم أنَّ تَهَاجُرَ الأخوين فوق الثلاثة من منهيات الحرام، وأن الفائز بالأجر منهما هو البادئ بالسلام، ودفع السيئة بالحسنة يجعل العدو وليًّا حميمًا، وقد جعل الله المتخلِّق بهذا الخلق صابرًا, وجعل له حظًّا عظيمًا، والشيطان إنما يحوم على آثاره مواقع الشنآن، ولا يحمد من أعمال بنيه شيئًا إلا ما زيل٣ بين الإخوان".

في هذا الفصل معاني آيات وأخبار، وهذا الموضع مختص بذكر الأخبار دون الآيات.


١ العدوى هنا طلب التقوية والنصرة، قال ابن فارس: العِدوي طلبك إلى والٍ ليعديك عن من ظلمك، أي: ينتقم منه باعتدائه عليك.
٢ عدوة الوادي: جانبه.
٣ زيل بينهم: فرق.

<<  <  ج: ص:  >  >>