للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا استسهل، ولا حثثنا مطيًّا إلا استعجل، ولطالما وقف غيرنا على هذا البلد, فشقه طول الانتظار، ولم يحظ منه إلا بمساءلة المنصب أحجار الديار".

في هذا الفصل معنى خبر من الأخبار النبويّة، وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في النهي عن ضرب المحدود: "لا مَدَّ ولا تجريد" أي: لا يمد على الأرض ولا يجرد عنه ثوبه.

ومن ذلك ما ذكرته في صدر كتاب إلى الديوان العزيز النبوي، وهو:

"خلَّد الله دولة الديوان العزيز النبويّ، ولا زالت أكنافها وادعة, وعلياؤها جامعة، وجدودها كالنجوم التي ترى في كل حين طالعة، وأيامها كالليالي ساكنة, ولياليها كالأيام ناصعة، وأبوابها كأبواب الجنة التي يقال فيها ثامن وثامنة, إذا قيل في أبواب غيرها سابعٌ وسابعة، وهذا الدعاء قد استجابه الله قبل أن ترفع إليه يدٌ, أو ينطق به ضمير، فإذا دعا به الخادم وجد الله قد سبقه أولًا, وجاء هو في الزمن الأخير، فليس له حينئذ إلا أن يدعو لما خوّله الديوان العزيز بالدوام، وأن يعيذه من النقص من التمام، ثم يستهدي ما يؤهّل له من الخدم التي يعتدُّها من لطائف الإحسان، وإذا نُدِبَ لتكليف أوامرها قال: والحمد والشكر يسجدان، ولا شكَّ أن درجات الأولياء تتفاوت في الصفات والأسماء، فمنها ما يكون ببطن الأرض, ومنها ما يرى كالكوكب في أفق السماء، ولولا النهي عن تزكية المرء نفسه لادَّعى الخادم أن له أعلاها، وجاء بالأولياء من بعده فقال: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} ١ لكنه لا يمن بما يعتده عند الله من ذخره، وسر الولاء في هذا المقام أكرم من جهره، وليس الذي يمنّ بصلاته وصيامه, كالذي يمنّ بسرٍّ وَقَرَ في صدره، والله لا ينظر إلى الأعمال وإنما ينظر إلى القلوب، وفرقٌ بين المطيع بمحضر الشهادة, وبين المطيع بظهر الغيوب، ولو اطَّلع الديوان العزيز على ضمير الخادم في الطاعة لسرِّه، وعلم أنه الأشعث الأغبر الذي لو أقسم على الله لأبره".


١ سورة الشمس: الآيتان ١، ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>