للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر والأبيض والأسود, وبين ذلك، والحزن والسهل، والخبيث والطيب".

غير أني استنبطت أنا حب المال من هذا الحديث، وهو معنى غريب لم أُسْبَقْ إليه.

ومن ذلك ما ذكرته في وصف كلام، وهو:

"ليس السحر ما أُودِعَ في جُفِّ طلعة١، بل ما أُودِعَ في صوغ معنى أو نظم سجعة، ولذلك لبيد٢ في شعره، أسحر من لبيد٣ في سِحْرِه، وكلًّا صنعهما من الغريب العجيب، غير أن ما يستنبط من القلب أعجب مما يدفن في القليب".

وهذا المعنى مأخوذ من قصة لبيد بن الأعصم في سحره النبي -صلى الله عليه وسلم، ومن عرف القصة وصورتها علم ما قد ذكرته في نثر هذه الكلمات البديعة.

ومن ذلك ما ذكرته في وصف المنجنيق في جملة كتاب، فقلت:

"ونصب المنجنيق فجثَمَ بين يدي السور مَنَاصِيًا، وبسط كفَّه إليه مواتيًا، ثم تولَّى عقوبته بعصاه التي تفتك بأحجاره، وإذا عصى عليها بلد أخذت في تأديب أسواره، فما كان إلا أن استمرَّت عقوبتها عليه حتى صار قائمه حصيدًا, وعاصيه مستقيدًا، وقال: ألم يكن نهى عن المد والتجريد, فما لي لا أرى إلا مدًّا وتجريدًا، وعند ذلك أذعن لفتح الأبواب، وتلا قوله تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} ٤ وكذلك لم نأت صعبًا


١ الجف -بالضم: وعاء الطلع، والحف: أصل النخلة.
٢ هو لبيد بن ربيعة العامري أحد أصحاب المعلقات.
٣ هو لبيد بن الأعصم الذي سحر النبي -صلى الله عليه وسلم، وفي حديث عائشة قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب، قال: من طبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أيِّ شيء؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر، قال: وأين هو؟ قال في بئر ذروان"، فأتاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ناس من أصحابه، فجاء فقال: "يا عائشة, كأن ماءها نقاعة الحناء، أو كان رءوس نخلها رءوس الشياطين". قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: "قد عافاني الله، فكرهت أن أثور على الناس فيه شرًّا، فأمر بها فدفنت".
٤ سورة الرعد: الآية ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>