للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمْضِه، وأبدى لها صفحة الرضا, وإن كانت كل مودة لم تُرْضِه، وخير المودات ما ليس لها ضَرَّة تشاركها في وسامتها، ولا تضاهيها في درجة كرامتها, فتلك التي تزدهي ذا الهمَّة أبوَّة وجمالًا، ولم يغله مهرها ولو بذل فيه نفسًا لا مالًا، وما يظنها الخادم إلا هذه المودّة التي خطبها، وقد علمت أن تكون راغبة ولكن هو الذي أرغبها، على أنه لم يترشَّح لها إلا من هو من أكفائها، وليست الكفاءة ههنا إلا ما تبذله الضمائر من صفائها، وقد أتاح الله لها كفئًا يكثر من إيناسها، ويضعها من البر في محلة ناسها، ويجعل كل يوم من أيامها عرسًا حتى تنصل مواسم أعراسها".

ثم مضيت على هذا النهج إلى آخر الكتاب، والمعنى المأخوذ فيه من الخبر النبوي في موضعين:

الأول: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة -رضي الله عنها: "إن جبريل -عليه السلام- عرض علي صورتك في سَرَقَةٍ -والسرقة: حريرة بيضاء- وقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة، فقلت: إن يكن ذلك من عند الله يمضه". فأخذت أنا هذا المعنى ونقلته إلى خطبة مودة، ولا يأتي في خطبة المودات شيء أحسن منه ولا ألطف ولا أشدّ مقصدًا.

الخبر النبوي الثاني: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "إنما تنكح المرأة لأربعٍ: لحسبها أو لدينها أو لمالها أو لجمالها" فقلت أنا: فتلك التي تزدهي ذا الهمة أبوَّة وجمالًا، أي: قد جمعت الحسب والجمال.

ومن ذلك ما ذكرته في سبب حب المال، وهو:

"بين المال علاقةٌ وكيدة وبين القلوب، وهي له بمنزلة المحب وهو لها بمنزلة المحبوب، وليس ذلك إلا لأنَّ الله قبض قبضةً من جميع الأرض فخلق آدم من تلك القبضة، ويوشك حينئذ أن صورة قلبه تكونت من معدن الذهب والفضة، ولولا أن يكون منهما عنصر إبدائه، لما جعلهما الأطباء دواءه من دائه، فلا تستغرب إذن أن تكون على حبهما مطبوعًا، إذ كان منهما مصنوعًا".

وهذا المعنى من قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع

<<  <  ج: ص:  >  >>