للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جداره، ولولا وثوقه بأناة مولانا لذهبت نفسه فَرَقًا، وابتغى في السماء سُلَّمًا، وفي الأرض نفقًا، لكنه قد توسَّم في كرمه مخايل الصنع الوسيم، وغرَّه منه ما غرَّه من ربه الكريم، وعلم أن خُلُقَ حلمه يغلب خلق غضبه؛ إذ هذا حادث وذاك قديم".

وفي هذا الفصل معنى خبر من الأخبار النبوية، وهو أنه كان -صلوات الله عليه- يخطب، فمال بيده إلى الجدار، وقال: "عرضت عليَّ الجنة والنار في عرض هذا الجدار, فلم أر كاليوم في الخير والشر".

ومن ذلك ما ذكرته في صدر كتاب إلى بعض الإخوان، وهو:

"الخادم يواصلُ بالدعاء الذي لا يزال لقلبه زميلًا، وللسانه رسيلًا١، وإذا رفع أدْنَتْهُ الملائكة قربًا إذا تباعدت من غيره ميلًا، ولا اعتداد بالدعاء إلا إذا صدر عن أكرم مصدر، ووجد له فوق السماء مظهرًا, وإن لم يكن هناك من مظهر، ووصف باطنه بأنه الأبيض الناصع الذي هو خير من ظاهر الأشعث الأغبر، ولا يعامل الخادم أهل ودِّه إلا بهذه المعاملة, ومن خلقه المجازفة في بذل المودة إذا أخذ الناس نِسْبَة المكايلة".

في هذا المعنى خبرين:

أحدهما: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "إنه إذا كذب الكاذب تباعد الملك عنه ميلًا لنتن كذبه".

والآخر قوله -صلى الله عليه وسلم: "رب أشعث أغبر مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره".

ومن هذا الباب ما ذكرته في كتاب يتضمَّن خطبة مودة:

فابتدأت الكلام فيه بعد تصدُّرِه بالدعاء، فقلت:

"لولا العادة لرفع الخادم كتابه هذا أن يسطَّر في ورقة، وليس ذلك إلا لإرساله في خطبة مودة رأى صورتها في سرقة٢، ولما تأمَّلَها قال: إن يكن ذلك من عند الله


١ يقال راسله في عمله إذا تابعه فيه فهو رسيل.
٢ السرقة شقة حرير بيضاء، قال أبو عبيدة: كأنها كلمة فارسية، والجمع سرق مثل: قصبة وقصب.

<<  <  ج: ص:  >  >>