للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} ١ فإن الأصل في هذه الألفاظ كتابي وحسابي ومالي وسلطاني، فلمَّا أضيفت الهاء إليها -وتسمَّى "هاء السكت"- أضافت إليها حسنًا زائدًا على حسنها، وكستها لطافةً ولباقة.

وكذلك ورد في القرآن الكريم: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} ٢ فلفظة "لي" أيضًا مثل لفظة "يؤذي" وقد جاءت في الآية مندرجة متعلقة بما بعدها، وإذا جاءت منقطعة لا تجيء لائقة، كقول أبي الطيب أيضًا:

تمسي الأمانيُّ صرعى دون مبلغه ... فما يقول لشيءٍ ليت ذلك لي٣

وربما وقع بعض الجهَّال في هذا الموضع, فأدخل فيه ما ليس منه، كقول أبي الطيب:

ما أجدر الأيام والليالي ... بأن تقول مَالَه ومَالِي٤

فإن لفظة "لي" ههنا قد وردت بعد "ما", وقبلها "ما له", ثم قال: "وما لي", فجاء الكلام على نسقٍ واحد، ولو جاءت لفظة "لي" ههنا كما جاءت في البيت الأول لكانت منقطعة عن النظير والشبيه، فكان يعلوها الضعف والركة.

وبين ورودها ههنا وورودها في البيت الأول فرق يحكم فيه الذوق السليم.

وههنا من هذا النوع لفظة أخرى قد وردت في آية من القرآن الكريم، وفي بيت من شعر الفرزدق، فجاءت في القرآن حسنة، وفي بيت الشعر غير حسنة، وتلك اللفظة هي لفظة "القمل", أما الآية فقوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ} ٥. أما بيت الشعر فقول الفرزدق:

من عِزِّهِ احتجرت كليبٌ عنده ... زربًا كأنَّهم لديه القمَّل٦


١ سورة الحاقة: الآيتان ٢٨، ٢٩.
٢ سورة ص: الآية ٢٣.
٣ ديوان المتنبي ٣/ ٨١.
٤ ديوان المتنبي ٣/ ٣١١.
٥ سورة الأعراف: الآية ١٣٣.
٦ هكذا في المثل السائر، ورواية ديوان الفرزدق "٧١٥":
من عزهم جحرت كليب بيتها
زربًا كأنهم لديه القمَّل
ومعنى جحرت: دخلت جحرها، واجتحر له جحرًا: اتخذه، واحتجر الأرض: ضرب عليها منارًا، واحتجر به: التجأ واستعاذ، والزرب: موضع الغنم، والقمَّل: الدبي، وهو أولاد الجراد قبل نبات أجنحتها، أو البراغيث، أو كبار القردان.

<<  <  ج: ص:  >  >>