للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل أن يكون نافرًا لا يألف الإنس، فتارة يكون حسنًا, وتارة يكون قبيحًا.

وعلى هذا فأن أحد قسمي الوحشيِّ -وهو الغريب الحسن- يختلف باختلاف النسب والإضافات.

وأما القسم الآخر من الوحشيّ -الذي هو قبيح- فإن الناس في استقباحه سواء، ولا يختلف فيه عربي بادٍ, ولا قروي متحضر.

وأحسن الألفاظ ما كان مألوفًا متداولًا؛ لأنه لم يكن مألوفًا متداولًا إلا لمكان حسنه، وقد تقدَّم الكلام على ذلك في باب الفصاحة، فإن أرباب الخطابة والشعر نظروا إلى الألفاظ ونَقَّبُوا عنها، ثم عَدَلُوا إلى الأحسن منها فاستعملوه، وتركوا ما سواه، وهو أيضًا يتفاوت في درجات حسنه.

فالألفاظ إذن تنقسم ثلاثة أقسام: قسمان حسنان, وقسم قبيح.

فالقسمان الحسنان:

أحدهما: ما تداول استعماله الأول والآخر، من الزمن القديم إلى زماننا هذا، ولا يطلق عليه أنه وحشيّ.

والآخر: ما تداول استعماله الأول دون الآخر، ويختلف استعماله بالنسبة إلى الزمن وأهله، وهذا هو الذي لا يعاب استعماله عند العرب؛ لأنه لم يكن عندهم وحشيًّا، وهو عندنا وحشيّ، وقد تضمَّن القرآن الكريم منه كلمات معدودة، وهي التي تطلق عليها "غريب القرآن"، وكذلك تضمَّن الحديث النبويّ منه شيئًا، وهو الذي يطلق عليه "غريب الحديث".

وحضر عندي في بعض الأيام رجل متفلسف, فجرى ذكر القرآن الكريم، فأخذت في وصفه، وذكر ما اشتملت عليه ألفاظه ومعانيه من الفصاحة والبلاغة، فقال ذلك الرجل: وأيّ فصاحة هناك وهو يقول: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} ١؟ فهل في لفظة "ضيزى" من الحسن ما يوصف?


١ سورة النجم: الآية ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>