للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمَّا إذا جاءت ومعها قرينة فإنها لا تكون معيبة، كقوله تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ١. ألَا ترى أن لفظة "التعزيز" مشتركة تطلق على التعظيم والإكرام, وعلى الضرب الذي هو دون الحد، وذلك نوع من الهوان، وهما معنيان ضدان، فحيث وردت في هذه الآية جاء معها قرائن من قبلها ومن بعدها, فخصت معناها بالحسن، وميزته عن القبيح. ولو وردت مهملة بغير قرينة, وأريد بها المعنى الحسن لَسَبَق إلى الوهم ما اشتملت عليه من المعنى القبيح.

مثال ذلك: لو قال قائل: لقيت فلانًا فعزرته، لسبق إلى الفهم أنه ضربه وأهانه، ولو قال: لقيت فلانًا فأكرمته وعزرته، لزال ذلك اللبس.

واعلم أنه قد جاء من الكلام ما معه قرينة فأوجب قبحه، ولو لم تجئ معه لما استقبح، كقول الشريف الرضي:

أعزر علي بأن أراك وقد خلا

عن جانبيك مقاعد العواد

وقد ذكر ابن سنان الخفاجي هذا البيت في كتابه, فقال: إن إيراد هذه اللفظة في هذا الموضع صحيح، إلّا أنه موافق لما يكره ذكره في مثل هذا الشعر، لا سيِّمَا وقد أضافه إلى من يحتمل إضافته إليه، وهم العواد، ولو انفرد لكان الأمر فيه سهلًا، فأما الإضافة إلى من ذكره ففيها قبح لا خفاء به، هذا حكاية كلامه٢، وهو مرضي واقع في موقعه.

ولنذكر نحن ما عندنا في ذلك فنقول: قد جاءت هذه اللفظة المعيبة في الشعر في القرآن الكريم، فجاءت حسنة مرضية، وهي قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} ٣ وكذلك قوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا


١ سورة الأعراف: الآية ١٥٧.
٢ انظر سر الفصاحة ٩٣, ونصّ عبارة ابن سنان: فإيراد "مقاعد" في هذا البيت صحيح, إلّا أنه موافق لما يكره ذكره في مثل هذا الشأن، لا سيما وقد أضافه إلى من يحتمل إضافته إليهم وهو العوّاد، ولو انفرد كان الأمر فيه سهلًَا، فأمَّا إضافته إلى ما ذكره ففيها قبح لا خفاء به.
٣ سورة آل عمران: الآية ١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>