للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيجب إذًا على صاحب هذه الصناعة أن يراعي في كلامه مثل هذا الموضع, وهو من جملة الألفاظ المشتركة التي يحتاج في إيرادها إلى قرينة تخصصها ضرورة.

عدد حروف الكلمة:

ومن أوصاف الكلمة أن تكون مؤلَّفة من أقلِّ الأوزان تركيبًا, وهذا مما ذكره ابن سنان في كتابه, ثم مثَّله بقول أبي الطيب المتنبي١:

إن الكرام بلا كرامٍ منهم ... مثل القلوب بلا سويداواتها٢

وقال: إن لفظة "سويداواتها" طويلة، فلهذا قبحت٣.

وليس الأمر كما ذكره، فإن قبح هذه اللفظة لم يكن بسبب طولها، وإنما هو لأنها في نفسها قبيحة، وقد كانت -وهي مفردة- حسنة، فلمَّا جمعت قَبُحَت، لا بسبب الطول.

والدليل على ذلك أنَّه قد ورد في القرآن الكريم ألفاظ طوال، وهي مع ذلك حسنة، كقوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} ٤ فإن هذه اللفظة تسعة أحرف، وكقوله تعالى: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ} ٥ فإن هذه اللفظة عشرة أحرف، وكلتاهما حسنة رائقة.

ولو كان الطول مما يوجب مما يوجب قبحًا لقبحت هاتان اللفظتان، وليس كذلك.

ألا ترى أنه لو أسقط من لفظة "سويداواتها". الهاء والألف اللتين هما عوض عن


١ ديوان المتنبي ١/ ٢٣٠ وهو من قصيدة في مدح أبي أيوب أحمد بن عمران ومطلعها:
سرب محاسنه حرمت ذواتها ... دانى الصفات بعيد موصوفاتها
٢ سويداء القلب: حبته، وجمعه سويداوات، يقول: الكرام من الخيل إذا لم يكن عليها فرسان من هؤلاء الممدوحين كالقلب إذا لم يكن فيه.. ويداء.
٣ عبارة ابن سنان: فسويداواتها كلمة طويلة جدًّا، فلذلك لا أختارها، وانظر سر الفصاحة ٩٥-٩٧.
٤ سورة البقرة: الآية ١٣٧.
٥ سورة النور: الآية ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>