للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإضافة لبقي منها ثمانية أحرف؟، ومع هذا فإنها قبيحة, ولفظة "ليستخلفنهم" عشرة أحرف، وهي أطول منها بحرفين، ومع هذا فإنها حسنة رائقة.

والأصل في هذا الباب ما أذكره: وهو أنَّ الأصول من الألفاظ لا تحسن إلّا في الثلاثي, وفي بعض الرباعي؛ كقولنا: "عذب" و"عسجد". فإن هاتين اللفظتين إحداهما ثلاثية والأخرى رباعية، وأما الخماسي من الأصول فإنه قبيح، لا يكاد يوجد منه شيء حسن، كقولنا: "جحمرش"، و"صهصلق"، وما جرى مجراهما.

وكان ينبغي على ما ذكره ابن سنان أن تكون هاتان الَّلفظتان حسنتين, واللفظتان الواردتان في القرآن قبيحتين؛ لأنَّ تلك تسعة أحرف وعشرة, وهاتان خمسة وخمسة، ونرى الأمر بالضد مما ذكره، وهذا لا يعتبر فيه طول ولا قصر، وإنما يعتبر نظم تأليف الحروف بعضها مع بعض، وقد تقدَّم الكلام على ذلك، ولهذا لا يوجد في القرآن من الخماسي الأصول شيء، إلّا ما كان من اسم نبي عُرِّبَ اسمه ولم يكن في الأصل عربيًّا نحو: "إبراهيم" و"إسماعيل".

ومما يدخل في هذا الباب أن تجتنب الألفاظ المؤلَّفة من حروف يثقل النطق بها، سواء كانت طويلة أو قصيرة، ومثال ذلك قول امرئ القيس في قصيدته اللامية التي هي من جملة القصائد السبع الطوال١:

غدائره مستشزرات إلى العلا ... تضل المدارى في مثنًّى ومرسل٢

فلفظة "مستشزرات" مما يقبح استعمالها؛ لأنها تثقل على اللسان ويشق النطق بها، وإن لم تكن طويلة لأنا لو قلنا: "مستنكرات" أو "مستنفرات" على وزن "مستشزرات" لما كان في هاتين اللفظتين من ثقل ولا كراهة.

ولربَّما اعترض بعض الجهَّال في هذا الموضع، وقال: إن كراهة هذه اللفظة إنما هو لطولها.


١ هي المشهورة باسم "المعلقات".
٢ الغدائر: جمع الغديرة، وهي الخصلة من الشعر، والاستشزار: الارتفاع، والمدارى: جمع مدرى وهي الشط, ويروى "تضل العقاص", والعقاص: جمع عقيصة، وهي الخصلة المجموعة من الشعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>