للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس الأمر كذلك، فإنَّا لو حذفنا منها الألف والتاء قلنا: "مستشزر" لكان ذلك ثقيلًا أيضًا، وسببه أن الشين قبلها تاء، وبعدها زاي، فثقل النطق بها، وإلّا فلو جعلنا عوضًا من الزاي راء ومن الراء فاء، فقلنا "مستشرف" لزال ذلك الثقل.

ولقد رآني بعض الناس وأنا أعيب على امرئ القيس هذه اللفظة المشار إليها، فأكبر ذلك، لوقوفه مع شهرة التقليد في أنَّ امرئ القيس أشعر الشعراء، فعجبت من ارتباطه بمثل هذه الشبهة الضعيفة، وقلت له: لا يمنع إحسان امرئ القيس من استقباح ما له من القبح، ومثال هذا كمثال غزال المسك, فإنه يخرج منه المسك والبعر، ولا يمنع طيب ما يخرج من مسكه من خبث ما يخرج من بعره، ولا تكون لذاذة الطيب حاميةً للخبث من الاستكراه، فأسكت الرجل عند ذلك.

وحضر عندي في بعض الأيام رجل من اليهود، وكنَّا إذ ذاك بالديار المصرية، وكان لليهود في هذا الرجل اعتقاد، لمكان علمه في دينهم وغيره، وكان لعمري كذلك، فجرى ذكر اللغات، وأن العربية هي سيدة اللغات، وأنها أشرفهنَّ مكانًا، وأحسنهنَّ وضعًا، فقال ذلك الرجل: كيف لا تكون كذلك? وقد جاءت آخرًا, فنفت القبيح من اللغات قبلها, وأخذت الحسن? ثم إن واضعها تصرَّف في جميع اللغات السالفة فاختصر ما اختصر، وخفَّف ما خفَّف، فمن ذلك اسم الجمل، فإنه عندنا في اللسان العبراني "كوميل" ممالًا على وزن "فوعيل"، فجاء واضع اللغة العربية وحذف الثقيل المستبشع، وقال: "جمل"، فصار خفيفًا حسنًا، وكذلك فعل في كذا وكذا، وذكر أشياء كثيرة, ولقد صدق في الذي ذكره وهو كلام عالم به.

خفة الحركات:

ومن أوصاف الكلمة أن تكون مبنيَّة من حركات خفيفة، ليخفَّ النطق بها، وهذا الوصف يترتَّب على ما قبله من تأليف الكلمة، ولهذا إذا توالى حركتان خفيفتان في كلمة واحدة لم تستثقل، وبخلاف ذلك الحركات الثقيلة, فإنه إذا توالى منها حركتان في كلمة واحدة استثقلت.

<<  <  ج: ص:  >  >>