للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أجل ذلك استثقلت الضمة على الواو, والكسرة على الياء؛ لأن الضمَّة من جنس الواو، والكسرة من جنس الياء، فتكون عند ذلك كأنها حركتان ثقيلتان.

ولنمثِّلْ لك مثالًا لتهتدي به في هذا الموضع، وهو أنَّا نقول: إذا أتينا بلفظة مؤلفة من ثلاثة أحرف, وهي -ج ز ع, فإذا جعلنا الجيم مفتوحة قلنا: "الجزع", أو مكسورة قلنا: "الجِزع", كان ذلك أحسن من أن لو جعلنا الجيم مضمومة فقلنا: "الجُزع"، وكذلك إذا والينا حركة الفتح قلنا: "الجَزَع" كان ذلك أحسن من موالاة حركة الضم عند قولنا: الجُزُع، ومن المعلوم أن هذه اللفظة لم يكن اختلاف حركاتها مغيرًا لمخارج حروفها, حتى ينسب ذلك إلى اختلاف تأليف المخارج, بل وجدناها تارة تكسى حسنًا، وتارة يسلب ذلك الحسن عنها، فعلمنا أن ذلك حادث عن اختلاف تأليف حركاتها.

واعلم أنه قد توالت حركة الضم في بعض الألفاظ، ولم يحدث فيها كراهة ولا ثقلًا؛ كقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} ١ وكقوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} ٢ وكقوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} ٣ فحركة الضم في هذه الألفاظ متوالية, وليس بها من ثقل ولا كراهة، وكذلك ورد قول أبي تمام٤:

نفسٌ يحتَثُّه٥ نَفَس ... ودموع ليس تحتبس

ومغانٍ للكرى دُثُرٌ ... عُطُلُ من عهده دُرُسُ٦

شهرت ما كنت أكتمه ... ناطقاتٌ بالهوى خُرُسُ


١ سورة القمر: الآية ٣٦.
٢ سورة القمر: الآية ٤٧.
٣ سورة القمر: الآية ٥٢.
٤ ديوان أبي تمام ٤٤٨, وهي أبيات في النسيب.
٥ يحتَثُّه على الخروج.
٦ المغاني: المنازل، والكرى: النعاس، والدثر: البالية، والعطل: الخالية، والدرس: الممحوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>