ومن تلك المسائل أيضًا، مما انفرد به ابن الأثير برأي، أنه في سبيل بحثه عن فصاحة اللفظة المفردة عرض للحوشي من الألفاظ الذي أنكره النقاد، وأجمعوا على إخلاله بالفصاحة، ولكن ضياء الدين يرى أن هذا الوحشي خفي على جماعة من المنتمين إلى صناعة النظم والنثر، وظنُّوه المستقبَح من الألفاظ، وليس كذلك، وذلك أن الوحشي منسوب إلى اسم الوحش الذي يسكن القفار، وليس بأنيس. وكذلك الألفاظ التي لم تكن مأنوسة الاستعمال، وليس من شرط الوحش أن يكون مستقبحًا، بل أن يكون نافرًا، فتارة يكون حسنًا، وتارة يكون قبيحًا.
ويبنى على هذا أن الوحشي ينقسم إلى قسمين:
أحدها الوحشي الذي جاءت إليه هذه الصفة من غرابته، وهو يختلف باختلاف النسب والإضافات.
وأما القسم الآخر من الوحشي فقبيح، والناس في استقباحه سواء، ولا يختلف فيه عربي باد، ولا قروي متحضر.
وعلى هذا يكون اللفظ عند ابن الأثير أنواعًا:
١- ما تداول استعماله الأول والآخر من الزمن القديم إلى زماننا هذا، ولا ينعت بالوحشية أو الحوشية، وهذا هو الحسن من الألفاظ.
٢- وما تداول استعماله الأول دون الآخر، ويختلف في استعماله بالنسبة إلى الزمن وأهله، وهذا هو الذي لا يعاب استعماله عند العرب؛ لأنه لم يكن عندهم وحشيًّا، وهو عندنا وحشي.
٣- الوحشي الغليظ، ويسمَّى أيضًا المتوعِّر، وليس وراءه في القبح درجة أخرى، ولا يستعمله إلّا أجهل الناس، ممن لم يخطر بباله شيء من معرفة هذا الفن, وإذا ورد كرهه السمع، وثقل على اللسان النطق به.
وإذا كان معنى الحوشي عند ابن الأثير هو الغريب، فإن العرب لا تلام على استعمال الغريب الحسن، وإنما تلام على استعمال الغريب القبيح.
وأما الحضري فإنه يلام على استعمال القسمين معًا، وهو في أحدهما أحق بالملاءمة من الآخر.