معناها، وما فيها من الكلمات اللغوية، وتبيين مواضع الإعراب منها، دون العناية بشرح ما تضمنته من أسرار الفصاحة والبلاغة.
وهذا كلام جيد؛ لأن ابن الأثير يفرِّق فيه بين أمرين هامين، ينبغي أن يكون التفريق بينهما أساسًا لفهم مهمة اللغوي أو النحوي، ومهمة الناقد أو صاحب البيان.
ذلك أن هناك علومًا تتخصَّص في البحث عن صحة العبارة، من حيث صحة مفرداتها، وصحة دلالتها على معانيها، وصحة التركيب الذي توضع فيه وضعًا صحيحًا على حسب ما يقتضي المعنى وفقًا لقواعد النحو والإعراب، وتلك مهمة علماء اللغة الذين يبحثون في بنية الكلمة، وفي دلالتها على معناها، طبقًا للوضع اللغوي، وفهم أصحاب اللغة لتلك الدلالة، وهي مهمة علماء النحو والإعراب الذين يبحثون في صحة ضبط كل لفظ في الجملة على حسب موقعه من العبارة ضبطًا يوافق ما جرى عليه العرب في ذلك الضبط، وما بنيت عليه قواعد النحو والإعراب التي استنبطها أولئك العلماء بالقياس على نهج العرب في كلامهم.
ثم إن هنالك علومًا أخرى لا تقف عند تلك المسائل التقليدية المعروفة, ولكنها تعالج النواحي الجمالية في الأعمال الأدبية على حسب التقاليد الفنية المعروفة التي استنَّها كبار الأدباء، والقواعد المستقاة من مظاهر الحسن التي توافرت للفن الأدبي المأثور عن أولئك الأدباء، نتيجة لطول المدارسة والموازنة بين نصٍّ ونصٍّ، وبين أديبٍ وأديبٍ, وتلك مهمة النقاد أو البلاغين، أو علماء البيان.
والنظرة الأولى من هاتين النظرتين عامة، تتناول العبارة المقولة، والعبارة المكتوبة بكل أنواعها، سواء أكانت تلك العبارة عبارة علمية تخاطب العقل، أم كانت عبارة أدبية تخاطب المشاعر، وتثير العاطفة والوجدان, وسواء أكانت في أعلى درجات السموِّ، أم كانت هابطة إلى مستوى لغة التفاهم التي تجري بين الناس، ولا تسموا عن العامية إلّا بصحة كلماتها، وسلامة تركيبها.
أما النظرة الأولى فإنها تختص بالعبارة الأدبية، أو الأسلوب الفني، الذي يعتمد عليه الشعر والخطابة، وسائر أساليب الكتابة الفنية.