مراجعها، بما حوى من فنونها الكثيرة المنثورة في بطون الكتب المختلفة في موضوعاتها، المتباينة في مناهجها.
ويمتاز كتاب ابن الأثير من بين أكثر كتب البلاغة بأنه درس تلك الفنون دراستين:
إحداهما: دراسة قاعدية، عني فيها بالحدود والتعاريف وحصر الأقسام، وجمع فيها كل ما استطاع جمعه من معالمها التي اهتدى إليها الذين سبقوه إلى البحث البلاغي، وهو في كثير من المواضع يصحح أخطاءهم، ويضيف إلى تحديداتهم ما جعلها جامعة مانعة على الوجه الذي يهتدي إليه، وبالنظر الذي يهتدى به.
والأخرى: دراسة نقدية، وفيها ألمَّ بكثير من العيوب التي يقع فيها مستعملو تلك الفنون في أشعارهم أو خطبهم أو كتاباتهم.
ولذلك كان من الممكن أن يقال: إن ابن الأثير قد جمع في المثل السائر كثيرًا من أصول البلاغة العربية والنقد الأدبي، وأنه وحَّد هذين الفنين الجمالين، ومزجهما، وأعادهما إلى طبيعتها التي تنفر من الأسلوب القاعدي الجاف، وخلطهما بنصوص من الأدب وآراء فيه أكثرها جيد مصيب.
ومن جيد ما وفِّقَ إليه من النظرات الصائبة في هذا الكتاب محاولته التفريق بين مهمة البياني، ومهمة كل من النحوي واللغوي، ويقول في ذلك: إن موضوع علم البيان هو الفصاحة والبلاغة، ويسأل صاحب هذا العلم عن أحوالها اللفظية والمعنوية، ويشترك هو والنحوي أو اللغوي في أن الثاني ينظر في دلالته على المعاني من جهة الوضع اللغوي، وتلك دلالة عامة.
أما صاحب البيان فإن له نظرةً فوق هذه النظرة؛ لأنه ينظر في فضيلة تلك الدلالة، التي هي دلالة خاصة، والمراد بها أن يكون الكلام على هيئة مخصوصة من الحسن، وذلك أمر وراء اللغة والنحو والإعراب، ألا ترى أن النحو يفهم معنى الكلام المنظور والمنثور، ويعلم مواقع إعرابه، ومع ذلك فإنه لا يفهم ما فيه من أسرار الفصاحة والبلاغة؟ وهذا هو السر في خطأ مفسري الأشعار؛ لأنهم اقتصروا على شرح