ولقد عرف كتاب "المثل السائر" في بيئات الثقافة العربية على أنه كتاب أدب، وعُرِفَ كذلك على أنه كتاب في أصول البلاغة العربية أحيانًا، وعلى أنه كتاب في النقد الأدبي أيضًا.
وكان الذين عدَّوا المثل السائر كتاب أدب على حقٍّ، لأنهم وجدوا أنفسهم أمام دراسة خصبة في صناعة الأدب، وفي أشهر فنونه، وهي فنّ الشعر وفن الكتابة، ووجدوا فيه أصول للأدب تجمع صفاته، وتعرف بأركانه، وإشارات إلى عدد كبير من الأدباء الذين عرفهم تاريخ الأمة العربية، ونصوصًا من المنظوم والمنثور تمثل عصوره المختلفة، واتجاهاته المتباينة.
وكان الذين عدوا هذا الكتاب من كتب النقد على حق أيضًا؛ لأنهم رأوه يفيض بكثير من الفكر والآراء الحرة في الأدب والأدباء، ولم يسلم من نقد ابن الأثير كثير من فحول الشعراء الذين يعرفهم تاريخ الأدب العربي بالإجلال والإكبار، كامرئ القيس، وتأبط شرًّا، والفرزدق، وأبي نواس وأبي تمام، وأبي الطيب المتنبي، وغيرهم من كبار شعراء العربية.
وفي كثير من الأحيان نجد نقدًا موضوعيًّا، وفي كثير من الأحيان أيضًا نرى ابن الأثير لا يكتفي في النقد الأدبي بحكم المعرفة المستنيرة، بل يكبر من حكم الذوق السليم الذي يرى أنه أكبر من حكم القاعدة الموضوعية والمعرفة المحدودة، ويشجِّع على تربية هذا الذوق بكثرة القراءة ومداومة الاطلاع، فتراه يقول بالرغم من اعتداده بنفسه، والزهو بتأليفه: اعلم أيها الناظر في كتابي أن مدار علم البيان على حكم الذوق السليم الذي هو أنفع من ذوق التعليم، وهذا الكتاب إن كان فيما يلقيه إليك أستاذًا، وإذا سألت عمَّا ينتفع به في فنه قيل لك هذا! فإن الدربة والإدمان أجدى عليك نفعًا، وأهدى بصرًا وسمعًا، وهما يريانك الخبر عيانًا، ويجعلان عسرك من القول إمكانًا، وكل جارحة منك قلبًا ولسانًا، فخد من هذا الكتاب ما أعطاك، واستنبط بإدمانك ما أخطاك، وما مثلي فيما مهدته لك من هذا الطريق إلا كمن طبع سيفًا، ووضعه في يمينك لتقاتل به، وليس عليه أن يخلق لك قلبًا، فإن حمل النصال غير مباشرة القتال!.
ثم إن هذا الكتاب معدود من أمهات الكتب في البلاغة العربية، ومرجعًا من أهم