الكتابين بعيدة، لأن كتاب الآمدي يعرض للشاعرين أبي تمام والبحتري، ويعرض شعرهما، ويوازن بينهما، ويعرض أقوال الأنصار والخصوم فيهما.
أما كتاب الخفاجيّ فإنه يبحث بحثًا عامًّا في أصول الفصاحة والبلاغة والبيان, بما بحث عن أسرارها ودرس من فنونها.
وقد عاب ابن الأثير كتاب سر الفصاحة بأن صاحبه أكثر مما قلَّ به مقدار كتابه من ذكر الأصوات والحروف والكلام عليها، ومن الكلام على اللفظة المقررة, وصفاتها مما لا حاجة إلى ذكره.
ولا يقنع من ذلك إلّا بأن يعود فيعيب الكتابين معًا، فيصفهما بأنهما قد أهملا من علم البيان أبوابًا، وربما ذكرا في بعض المواضع قشورًا أو تركا لبابًا!
وشبيه بهذا الانتقاص وصفه لمقدمة ابن أفلح البغدادي في قوله: ووقعت على كتاب يقال له: "مقدمة ابن أفلح البغدادي" قد قصرها على تفصيل أقسام علم الفصاحة والبلاغة، وللعراقيين بها عناية، وهم واصفون لها، ومكبول عليها، ولما تأمَّلتها وجدتها قشورًا لا لبَّ تحتها؛ لأن غاية ما عند الرجل أن يقول: وأما الفصاحة فإنها كقول النابغة مثلًا، أو كقول الأعشى، أو غيرهما, ثم يذكر بيتًا من الشعر أو أبياتًا، وما بهذا نعرف حقيقة الفصاحة، حتى إذا وردت في كلام عرفنا أنه فصيح، بما عرفنا من حقيقتها الموجودة فيه، وكذلك يقول في غير الفصاحة.
ويذكر في موضع آخر أنه عثر على ضروب كثيرة من البيان في القرآن الكريم، وأنه لم يجد أحد تقدمه تعرض لذكر شيء منها، وهي إن عدت كانت في علم البيان بمقدار شطره، وإذا نظر إلى فوائد وجدت محتوية عليه بأسره، وأن الله هداه لابتداع أشياء لم تكن من قبله مبتدعة، ومنحه درجة الاجتهاد التي لا تكون أقوالها تابعة، وإنما هي متبعة.
وأمثال هذا كثير في ثنايا المثل السائر الذي زيَّف فيه كثيرًا من آراء العلماء والبلاغيين والنقاد، وقد سبقت إشارات إلى حملاته على الأدباء والكُتَّاب ليبني على هذا الانتقاص إعجابه بنفسه، وزهوه بفنه، وإن كان في هذا الزهو شيء من الصدق، إلّا أن أخلاق العلماء وما اختصوا به من فضيلة التواضع يأبى إقراره على كل ما ذهب إليه في هذا الموضع وغيره.