على يد السكاكي في كتابه المشهور، مفتاح العلوم، الذي نظَّم دراسة البلاغة، وقنَّنَ لها، وقسمها إلى علومها، وحدَّد مباحث كل فنٍّ منها.
٢- وكذلك كان ابن الأثير كاتبًا من كتاب الدواوين، كتب للقاضي الفاضل في دولة صلاح الدين، كما كتب لأولاد صلاح الدين من بعده، والذي يعرف أساليب الكتابة في ذلك العصر الذي عمل فيه ابن الأثير يعرف أنها كانت تمتاز امتيازًا ظاهرًا بلزوم السجع واستعمال الجناس وبعض أنواع البديع واستخدام معاني الشعر وألفاظه في كتابه الرسائل، بحلِّ الأبيات السائرة والحكم المأثورة، حتى كادت الرسائل تكون شعرًا منثورًا، والاقتباس من كلام البلغاء، وتضمين الأفذاذ من أبيات الشعراء، ولما نبَّه شأن القاضي الفاضل أراد أن يحاكي كتاب المشارقة في البديع، فزاد عليهم وأربى، وجاراهم في التزام السجع والجناس والطباق، وزاد عليهم أن استعمل في رسالة كل أنواع البديع التي كانت فاشية وقتئذ في الشعر، كالتورية والاستخدام والتلميح وغيرها، وأكثر من حل المنظوم، والاقتباس من الآيات، وتضمين الأمثال ومشهور الأقوال، وأمعن في التشبيه والاستعارة حتى جاءت معاني رسائله منقادة لألفاظها وأساليبها.
وقد كانت هاتان الناحيتان عظيمتا الأثر في ابن الأثير، وفي إدركه لمعنى البيان، كما تصوره في المثل السائر.
تكلم ابن الأثير في خطبة كتابه عن أهمية علم البيان، وذكر أن منزلته في تأليف النَّظْمِ والنثر بمنزلة أصول الفقه للأحكام وأدلة الأحكام.
ويبدو من أول كلامه أنه رجل كثير الاعتداد بنفسه، والتباهي بعلمه، وكثيرًا ما جرَّه هذا الاعتداد إلى انتقاص غيره من الباحثين فيما بحث فيه, فقد ذكر أن الذين ألفوا في البيان من قبله ألفوا كتبًا، وجلبوا ذهبًا، وحطبوا حطبًا، وما من تأليف إلّا وقد تصفَّحه، وعلم غثَّه وسمينه، ثم لم يجد ما ينتفع به في ذلك إلا كتاب "الموازنة" للآمدي, وكتاب "سر الفصاحة" للخفاجي، والكتاب الأول هو الذي حظي بإعجابه، لأنه -كما يقول: أجمع أصولًا وأجدى محصولًا، مع أن المناسبة بين