للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفلان، فإنك ترى أكثر المسجوع منه كذلك، والأقلّ منه على ما أشرت إليه.

ولقد تصفَّحت المقامات الحريرية والخطب النباتيّة، على غرام الناس بهما، وإكبابهم عليهما، فوجدت الأكثر من السجع فيهما على الأسلوب الذي أنكرته.

فالكلام المسجوع إذًا يحتاج إلى أربع شرائط:

الأولى: اختيار مفردات الألفاظ على الوجه الذي أشرت إليه فيما تقدَّم.

الثانية: اختيار التركيب على الوجه الذي أشرت إليه أيضًا فيما تقدَّم.

الثالثة: أن يكون اللفظ في الكلام المسجوع تابعًا للمعنى، لا المعنى تابعًا للفظ.

الرابعة: أن تكون كل واحدة من الفقرتين المسجوعتين دالَّة على معنى غير المعنى الذي دلَّت عليه أختها.

فهذه أربع شرائط لا بُدَّ منها.

وسأورد ههنا من كلامي أمثلة يُحْذَى حذوها، فإنِّي لما سلكت هذه الطريق, وأتيت بكلامي مسجوعًا توخَّيت أن تكون كل سجعة منه مختصَّة بمعنى غير المعنى الذي تضمنته أختها، ولم أخل بذلك في مكاتباتي كلها، وإذا تأمَّلتها علمت صحة ما قد ذكرته.

فمن ذلك ما كتبته في صدر كتاب عن بعض الملوك إلى دار الخلافة وهو:

الخادم واقف موقف راجٍ هائب، لازم بكتابه هذا وقار حاضرٍ عن شخص غائب، موجِّه وجهه إلى ذلك الجناب الذي تُقْسَمُ فيه أرزاق العباد, ويتأدب به الزمان تأدب ذوي الاستعباد، وتستمد الملوك من خدمته شرف الجدود, كما تستغني بنسبتها إليه عن شرف الأجداد، ولو ملك الخادم نفسه لقصرها على خدمة قصره، وأحظاها من النظر إليه ببرد العيش الذي عمرها محسوبٌ من عمره، وهذا القول يقوله وكل ما جدَّ فيه حاسد، وبتأميله راكع ساجد، والديوان العزيز محسود الاقتراب، وهو موطن الرغبات الذي الاغتراب إليه ليس بالاغتراب، وما ينافس في القرب من أبوابه

<<  <  ج: ص:  >  >>