للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكريمة إلا ذَوُو الهمم الكريمة، وقد ودَّت الكواكب بأسرها أن تكون له منادمةً فضلًا عن ندماني جذيمة"١.

ومن ذلك ما كتبته من كتابٍ يتضمَّن العناية ببعض الناس، وهو:

"الكريم من أوجب لسائله حقًّا, وجعل كواذب آماله صدقًا، وكان خرق العطايا منه خلقًا، ولم ير بين ذِمَمِه وبين رحمه فرقًا, وكل ذلك موجود في كرم مولانا أجراه الله من فضله على وتيرة، وجعل هممه على تمام كل نقص قديرة، وأوطأه من كل مجد سريرًا كما بوأه من كل قلب سريرة، ولا زالت يده بالمكارم جديرة، ومن الأيام مجيرة، ولضرائرها من البحار والسحاب معيرة، ولا برحت تستولد عقائم المعاني, وتستجد أبنيتها, حتى يشهد الناس منها في كل يوم عقيقة أو وكيرة٢، ومن صفات كرمه أنه يسبك الأموال مآثر، ويتَّخذها عند السؤال ذخائر، فهي تفنى لديهم بالإنفاق، وذكرها على مرور الأيام باق، ومن أربح منه صفقةً وقد باع صامتًا بناطق، وما هو معرض لحوادث السرقات بما لا تصل إليه يد سارق، ومثله من عرف الدنيا فرغب عن اقتنائها، وجدَّ في ابتناء المحامد بهدم بنائها، وعلم أن مالها ليس عن الضنين به إلّا أحجارًا، وأنَّ غناه منها لا يزيده إلّا افتقارًا، فهو لماله عبدٌ يخدمه ولا يستخدمه، وأم ترضعه بسعيها ولا تفطمه":


١ نديما جذيمة، يضرب بهما المثل في طول الصحبة، كما يضرب بالفرقدين وابني شمام -جبلان في ديار بني تميم- وتخلتى حلوان، وكان جذيمة الوضَّاح الملك لا ينادم أحدًا ذهابًا بنفسه, وكان يقول: أنا أعظم من أن أنادم أحدًا إلا الفرقدين، وكان يشرب كأسًا، ويصب لكل منهما كأسًا. فلما أتاه مالك وعقيل بابن أخته عمرو، صاحب الطوق الذي استهوته الجن، قال لهما: ما حاجتكما؟ قالا: منادمتك! فنادمهما أربعين سنة، كانا يحادثانه، وما أعادا عليه حديثًا قط، حتى فرق بينهما الدهر، وفيهما يقول الشاعر:
ألم تعلما أن قد تفرَّق قبلنا ... نديما صفاء مالك وعقيل
ويقول متمم بن نويرة في أخيه مالك وهو من الأمثال السائرة:
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلمَّا تفرقنا كأني ومالكًا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معًا
٢ العقيقة: الشاة التي تذبح عند حلق شعر المولود، أو الطعام الذي يدعى إليه حينئذ، والوكيرة: طعام يعمل لفراغ البنيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>