للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه ما كتبته في جواب كتابٍ يتضمَّن إباق غلام، وهو أول كتاب ورد من المكتوب عنه إلى المكتوب إليه، فقلت:

"وأمَّا الإشارة الكريمة في أمر الغلام الآبق عن الخدمة فقد يَفِرُّ المهْرُ من عليقه، ويطير الفراش إلى حريقه، وغير بعيد أن ينبو به مضجعه، أو يكبو به مطمعه، فيرجع وقد حمد رجوعه ما ذمَّه من ذهابه، وعلم أن الغنيمة كل الغنيمة في إيابه، فما كل شجرة تحلو لذائقها، ولا كل دارٍ ترحِّب بطارقها, ومن أبق من مولاه مغاضبًا، وجانب محل إحسانه الذي لم يكن مجانبًا، فإنَّه يجد من مفارقة الإحسان، ما يجده من مفارقة معاهد الأوطان، وهل أضلَّ سعيًا ممن دفع في صدر العافية, وغدًا يسأل عن الأسقام، وألقى الثروة من يده ومضى في طلب الإعدام، ومع هذا فإن الخادم يشكره على ذنب الإباق الذي أقدم على اجتراحه، وليس ذلك إلّا لأنَّه صار سببًا لافتتاح باب المكاتبة الذي لم يطمع في افتتاحه، ولا جزاءً له عنده إلّا السعي في إعادته إلى الخدمة التي تقلب في إنشائها, وهي أبر به من أمه التي تقلَّب في أحشائها، ومن فضلها أنها تلقاه من حملها بوسيلة الشافع, ومن كرمها بالوجه الضاحك والفضل الواسع".

فانظر أيها المتأمل إلى هذه الأسجاع جميعها, وأعطها حق النظر حتى تعلم أن كل واحدة منها تختص بمعنى ليس في أختها التي تليها, وكذلك فليكن السجع، وإلّا فلا.

من سجع الصابي:

وسأورد ههنا من كلام الصابي ما ستراه.

فمن ذلك تحميد في كتاب، فقال ١:

"الحمد لله الذي لا تدركه الأعين بألحاظها، ولا تحده الألسن بألفاظها، ولا تخلقه العصور بمرورها، ولا تهرمه الدهور بكرورها"٢.


١ المختار من رسائل أبي إسحاق الصابي ١/ ١٣.
٢ اختصر ابن الأثير كلامًا كثيرًا، وفي المختار "الفاعل لا عن مادة استمدها، والصانع لا بآلة استعملها، الذي لا تدركه الأعين ... إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>